للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوقعها ديوان التحقيق على المتهمين، فقد رواها بما تستحق من الدقة كثير من المؤرخين، ولكني أصرِّح أن أحداً منهم لا يمكن أن يُتّهم بالمبالغة فيما روى. ولقد تلوت كثيراً من القضايا، فارتجفت لها اشمئزازاً وروعاً، ولم أر في المحققين الذين التجأوا إلى تلك الوسائل إلاّ رجالاً بلغ جمودهم حدّ الوحشية" (١). بيد أن مؤرخاً حديثاً لديوان التحقيق هو الدكتور لي يرى في هذه الأقوال مبالغة، ويقول لنا: إن ديوان التحقيق لم يكن في إجراءاته الخاصة بالتعذيب، أكثر قسوة أو إرهاقاً من القضاء العادي، وأن ديوان التحقيق الروماني، كان في إجراءاته أشد قسوة وفظاعة من الديوان الإسباني (٢)، ومن الواضح أن هذا الدفاع متهافت، (لأن دون لورنتي) ليس متهماً بالنسبة لمسئولي ديوان التحقيق، فقد عمل فيه حتى نهاية حياته، وقد عاش أحداثه، فلا مجال للشك في أقواله أو الرد عليه، وهي تصف الواقع الذي لا غبار عليه.

وكانت معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، تستعمل في محاكم التحقيق، ومنها تعذيب الماء، وهو عبارة عن توثيق المتهم فوق أداة تشبه السلّم، وربط لساقيه وذراعيه إليها، مع خفض رأسه إلى أسفل، ثم توضع في فمه من زلعة جرعات كبيرة، وهو يكاد يختنق، وقد يصل ما يتجرعه إلى عدة لترات. وتعذيب (الجاروكا)، وهو عبارة عن ربط يدي المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل حول راحتيه وبطنه، ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه. وتعذيب الأسياخ المحمية للقدم، والقوالب المحمية للبطن والعجز، وسحق العظام بآلات ضاغطة، وتمزيق الأرجل، وفسخ الفك، وغيرها من الوسائل البربرية المثيرة. ولم يك ثمة حدود مرسومة لروعة التعذيب وآلامه، ولما كان التعذيب يعتبر خطراً لا تؤمن عواقبه، نظراً لاختلاف المتهمين في قوّة البنية والاحتمال المادي والعقلي،


(١) Liorente: ibid.، أنظر نهاية الأندلس (٣١٨).
(٢) Dr Lea: The History of the Inquisition. V. ١١١. Ch. V١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>