فإنه لم يك ثمة قواعد معينة تتبع فى إجراء التعذيب، بل كان الأمر يترك لتقدير القضاء وحكمتهم وضمائرهم (١). ولا يحضر التعذيب سوى الجلاّد والأحبار المحققون، والطبيب إذا اقتضى الأمر، ولا يُخطر المتهم بأسباب إحالته على التعذيب، ولا يسأل ليقرر وقائع معينة، بل يعذب ليقرر ما يشاء، ولكن الطعن في القرار بطريق الاستئناف أمام المجلس الأعلى (السوبريما) إلاّ في أحوال استثنائية. ولكن الطعن لا يقبل ولا ينظر، حيثما كان القانون صريحاً في وجوب إجراء التعذيب. وقد يأمر الطبيب بإيقاف التعذيب إذا رأى حياة المتهم في خطر، ولكن التعذيب يستأنف متى عاد المتهم إلى رشده أو جفّ دمه، فإذا اعترف المتهم واعتبر القضاء اعترافه صحيحاً، بمعنى أنه يتضمن عنصر التوبة، كف عن تعذيبه. وإذا استطاع المتهم احتمال العذاب وأصرّ الإنكار، لم يفده ذلك شيئاً، لأن القضاة يتخذون غالباً من الوقائع المنسوبة للمتهم أدلة على الإدانة، ويحكم عليه طبقاً لهذا الاعتبار. ويجب أن يؤيد المتهم ما قاله وقت التعذيب، باعتراف حر يقرره في اليوم التالي، وذلك حتى يؤكد صحة الاعتراف، فإذا أنكر أو غيّر شيئاً، أعيد إلى التعذيب.
وبعد انتهاء التعذيب، يحمل المتهم ممزقاً دامياً إلى قاعة الجلسة، ليجيب عن التهم التى توجه إليه لأول مرة، ويسأل عند تلاوة كل تهمة عن جوابه عنها مباشرة، ثم يسأل عن دفاعه. وكان مبدأ الدفاع أمراً مقرراً من الوجهة النظرية، فإن كان له دفاع، اختارت له المحكمة محامياً من المقيدين في سجل الديوان للدفاع عنه، وقد يسمح للمتهم باختيار محام من الخارج في بعض الأحوال الاستثنائية، ويقسم المحامي اليمين بأن يؤدي مهمته بأمانة، وألاّ يعرقل الإجراءات بسوء نيّة، وأن يتخلى عن موكله إذا تبين له في أية مرحلة من مراحل الدعوى، أن الحق ليس في جانبه. على إن الدفاع لم يكن في الغالب سوى ضرب من السخرية، ولم يكن عملاً مأمون العاقبة، ولم يكن يسمح للمحامي أن يطّلع على أوراق القضية الأصلية، أو يتصل بالمتهم على