للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمصادرة، أو بالإعدام حرقاً في حالة "الكفر الصريح". وقد يكون في حالة الذنوب الخفيفة بالسجن لمدة محدودة أو بالغرامة، وهو ما يسمى حكم "التوفيق". وكانت أحكام الإعدام هي الغالبة في عصور الديوان الأولى في قضايا الكفر. وكان التنفيذ يقع في ساحات المدن الكبيرة، وفي احتفال رسمي يشهده الأحبار والكبراء بأثوابهم الرسمية، وقد يشهده الملك. وكان يقع على الأغلب جملة، فينفذ حكم الحرق في عدد من المحكوم عليهم، وقد يبلغ العشرات أحياناً، وينتظم الضحايا في موكب "الأوتودافي" التي اشتهرت في إسبانيا منذ القرن الخامس عشر، والتي كانت بالرغم من مناظرها الرهيبة من الحفلات العامة، التي تهرع لشهودها جموع الشعب. ومما يذكر في ذلك، أن فرديناند الكاثوليكي، كان من عشّاق هذه المواكب الرهيبة، وكان يسره أن يشهد حفلات الإحراق، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها (١).

وكان قضاء محاكم التحقيق بطيئاً، يبث اليأس في النفوس، وكان الأمر يترك لهوى القضاة في تحديد مواعيد دعوى المتهم، والسير بإجراءات الدعوى، وكانت الإجراءات والمرافعات تستغرق وقتاً طويلاً، وقد تستغرق الأعوام أحياناً، وقد يموت المتهم في سجنه قبل أن يصدر الحكم في قضيته.

وكان دستور ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين. وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء، فتصادر أموالهم، وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق، أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم، لتحرق في موكب " الأوتودافي".

وكذلك يتعدى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده، فيقضي بحرمانه من تولي الوظائف العامة، وامتهان بعض المهن الخاصة، وبذا يؤخذ الأبرياء بذنب المحكوم عليهم (٢).


(١) Dr Lea: ibid; V. ١.
(٢) نهاية الأندلس (٣١١ - ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>