والواقع أن الموريسكيين لبثوا بالرغم من تنصيرهم، نزولاً على حكم القوة والإرهاب، مخلصين في سرائرهم لدينهم الإسلامي، ولم تستطيع الكنيسة بالرغم من جهودها الفادحة أن تحملهم على الولاء لدين قاسوا في سبيل اعتناقه ضروباً مروِّعة من الآلام النفسية والاضطهاد المضني. وإليك ما يقوله مؤرخ إسباني كتب قريباً عن ذلك العصر، وأدرك الموريسكيين، وعاش بينهم حيناً في غرناطة:"كانوا يشعرون دائماً بالحرج من الدين الجديد، فإذا ذهبوا إلى القدّاس أيام الآحاد، فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام، وهم لم يقولوا الحقائق قط خلال الاعتراف. وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم المغلقة، وفي أيام الآحاد يحتجبون ويعملون. وإذا عُمِّد أطفالهم عادوا فغسلوهم سراً بالماء الحار، ويسمّون أولادهم بأسماء عربية، وفي حفلات الزواج متى عادت العروس من الكنيسة بعد تلقي البركة، تنزع ثيابها النصرانية، وترتدي الثياب العربية، ويقيمون حفلاتهم وفقاً للتقاليد العربية"(١).
وقد انتهت إلينا وثيقة عربية هامة تلقي ضوءاً كبيراً على أحوال الموريسكيين في ظل التنصير، وتعلقهم بدينهم الإسلامي، وكيف كانوا يتحيّلون لمزاولة شعائرهم الإسلامية خفية، ويلتمسون من جهة أخرى سائر الوسائل والأعذار الشرعية التي يمكن أن تسوِّغ مسلكهم، وتشفع لهم عند ربّهم، مما يرغمون عليه من اتباعه من الشعائر النصرانية. وهذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة وجِّهت من أحد فقهاء المغرب إلى جماعة العرب المتنصِّرين ممن يسميهم:(الغرباء)، يقدم لهم بعض النصائح التي يعاون اتباعها على تنفيذ أحكام الإسلام خفية، وبطريق التورية والتستر. وتاريخ هذه الرسالة هو غرة رجب سنة (٩١٠ هـ) = (٢٨ تشرين الثاني - نوفمبر ١٥٠٤ م)، وإليك نص