المدينة، ومن حوله الطبل والزمر، وعلّق في ميدان باب البنود أعظم ميادينها القديمة، وفي سائر ميادينها الأخرى، وفي ربض البيازين، فوقع لدى الموريسكيين وقع الصاعقة، وفاضت قلوبهم الكسيرة سخطاً وأسىً ويأساً، وأحيط تنفيذه بمنتهى الشدّة، فحطّمت الحمامات تباعاً. واجتمع زعماء الموريسكيين وتباحثوا فيما يجب عمله إزاء هذه المحنة الجديدة، وحاولوا أن يسعوا بالضراعة والحسنى لإلغاء هذا القانون، أو على الأقل لتخفيف وطأته، ورفعوا احتجاجهم أولاً إلى الرئيس ديسا على يد رئيس جماعتهم مولاي فرنسيسكو نونيز، فخاطب الرئيس ديسا، وبيّن له ما في القانون من شدة وتناقض، وخرق للعهود، وطلب إرجاء تنفيذه. وحمل رسالتهم إلى فيليب الثاني، وإلى وزيره الطاغية الكاردينال أسبينوسا، سيد إسباني نبيل من أعيان غرناطة يدعى الدون خوان هنريكس، وكان يعطف على هذا الشعب المنكود، ويرى خطر السياسة التي اتبعت لإبادته، وسار معه إلى مدريد اثنان من أكابرهم هما: خوان هرناندث من أعيان غرناطة، وهرناندو الحبقي من أعيان وادي آش، والتمس الوفد إلى الملك إرجاء تنفيذ القانون، كما حدث أيام أبيه، وبعث الدون هنريكس، بمذكرة إلى جميع أعضاء مجلس الملك يبيِّن فيها ما يترتب على تنفيذ القانون من حرج واضطراب، ولكن مساعيه كلها ذهبت عبثاً، وأجاب الكاردينال اسبينوسا بأن جلالته مصمم على تنفيذ القانون، وأنه أصبح أمراً واقعاً، وكذا عرض المركيز دى مونديخار حاكم غرناطة على الملك اعتراض الموريسكيين، وأوضح له خطورة الموقف، وأن اليأس قد يدفعهم إلى الثورة، وأن الترك قد أصبحوا في شواطئ المغرب على مقربة من إسبانيا، وأن الموريسكيين شعب عدو لا يدين بالولاء، فلم تفد هذه الاعتراضات شيئاً، وقيل إن الموريسكيين شعب جبان، ولا سلاح لديه ولا حصون. وهكذا حملت سياسة العنف والتعصب في طريقها كل شيء، ونفذت الأحكام الجديدة في المواعيد التي حدّدت لها، ولم تبد السلطات في تنفيذها أي رفق أو ...................................................