للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهادنة (١).

ولم يحظ بلمحة من الرفق سوى الموريسكيين في بلنسية، وكان زعيمهم وكبير أشرافهم كوزمي بن عامر من المقربين إلى البلاط، فسعى للتخفيف عنهم، وكلّلت مساعيه بالنجاح في بعض النواحي، وهو أن يعامل الموريسكيون بالرفق في حالة اتهامهم بالردّة، ولا تنزع أملاكهم بتهمة المروق، وذلك على أن يدفعوا إتاوة سنوية قدرها ألفان وخمسمائة مثقال لديوان التحقيق (٢).

وأما في غرناطة، فقد بلغ اليأس بالموريسكيين ذروته، فتهامسوا على المقاومة والثورة، والذود عن أنفسهم إزاء هذا العسف المضني، أو الموت قبل أن تنطفئ في قلوبهم وضمائرهم، آخر جذوة من الكرامة والعزّة، وقبل أن تقطع آخر صلاتهم بالماضي المجيد والتراث العزيز، وكانت نفوسهم ما تزال تضطرم ببقية من شغف النضال والدفاع عن النفس، وكانوا يرون في المناطق الجبلية القريبة ملاذاً للثورة، ويؤملون أن يصلوا بالمقاومة إلى إلغاء هذا القانون الهمجي أو تخفيفه. وهنا يبدأ الصراع الأخير للموريسكيين وإسبانيا النصرانية، ومن المؤسف أنه لم تذكر المصادر العربية عن هذه المرحلة شيئاً، فهي تقف عند محنة التنصير الأولى عقب سقوط غرناطة، فلا بد من الرجوع إلى المصادر النصرانية حول ذلك.

سرى إلى الموريسكيين يأس بالغ يذكيه السخط العميق، فعوّلوا على الثورة، مؤثرين الموت على ذلك الاستشهاد المعنوي الهائل ونبتت فكرة الثورة في غرناطة أولاً حيث يقيم أعيان الموريسكيين، وحيث كانت جمهرة كبيرة منهم تحتشد في ضاحية البيازين. وكان زعيم الفكرة ومثير ضرامها


(١) Marmol; ibid; ١١. Cap. وأنظر: Prescott: Philip ١١ of Spain; V. ١١١. P. ١٢-٨٩ وأنظر: Dr. Lea: The Moriscos; P. ١٥٠-١٥١ and ٢٣٠-٢٣٤.
(٢) Dr Lea: ibid. P. ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>