موريسكي يدعى: فرج بن فرج، وكان فرج صباغاً بمهنته، ولكنه حسبما تصفه الرواية القشتالية، كان رجلاً جريئاً وافر العزم والحماسة، يضطرم بغضاً للنصارى، ويتوق إلى الانتقام الذريع منهم، ولا غرو فقد كان ينتسب إلى بني سراج، وهم كما رأينا من أشراف غرناطة وفرسانها الأنجاد أيام الدولة الإسلامية. وكان ابن فرج كثير التردد على أنحاء البشرات، وثيق الصلة بمواطنيه، فاتفق الزعماء على أن يتولى حشد قوّة كبيرة منهم، تزحف سراً إلى غرناطة، وتجوز إليها من ضاحية البيازين، ثم تفاجئ حامية الحمراء وتسحقها وتستولي على المدينة، وحدّدوا للتنفيذ (يوم الخميس المقدس)، من شهر نيسان - أبريل سنة (١٥٦٨ م) إذ يشغل النصارى يومئذ باحتفالاتهم وصلواتهم. ولكن أنباء هذا المشروع الخطير تسرّبت إلى السلطات منذ البداية، فاتخذت الاحتياطات لدرئه، وعزّزت حامية غرناطة وحاميات الثغور، واضطر الموريسكيون إزاء هذه الأهبة، أن يرجئوا مشروعهم إلى فرصة أخرى.
ووضع أديب من زعماء الثورة، يدعى باسمه المسلم محمد بن محمد بن داود، قصيدة ملتهبة، يصف فيها آلام بني وطنه، ويستمدّ فيها الغوث والعون من الله ومن ونبيه عليه الصلاة والسلام، فضبطت معه في ثغر أدرة، وأرسلت إلى البلاط مع ترجمتها القشتالية، وهذا هو ملخص ما ورد في تلك القصيدة التي تعتبر كأنها صرخة ألم أخيرة لشعب شهيد: (تفتتح القصيدة بحمد الله والثناء عليه والتنويه بقدرته، وخضوع جميع الناس والأشياء لحكمه، ثم يقول: استمعوا إلى قصة الأندلس المحزنة، وهي تلك الأمة العظيمة التي غدت اليوم ضعيفة مهيضة، يحيط بها الكفرة من كل صوب، وأضحى أبناؤها كالأغنام الذين لا راعي لهم. وفي كل يوم نسام سوء العذاب، ولا حيلة لنا سوى المصانعة، حتى ينقذنا الموت مما هو شرّ وأدهى. وقد حكّموا فينا يهود الذين لا عهد لهم ولا ذمام، وفي كل يوم يبحثون عن ضلالات وأكاذيب وخدع وانتقامات جديدة.