في مثل هذه المغامرة الجنونية. ولقد كان موقفهم حرجاً في الواقع، لأنهم يعيشون إلى جانب النصارى على مقربة من الحامية، وهم أعيان الطائفة، ولهم في غرناطة مصالح عظيمة يخشون عليها من انتقام الإسبان، بيد أنهم كانوا يؤيدون الثورة؛ يؤيدونها برعايتهم ونصحهم ومالهم، فارتد ابن فرج على أعقابه، واجتاز شعب جبل شلير (سيرانفادا) إلى الهضاب الجنوبية فيما بين بلش وألمرية، فلم تمض بضعة أيام، حتى عمّ ضرام الثورة جميع الدساكر والقرى الموريسكية في أنحاء البشرات، وهرعت الجموع المسلحة إلى ابن فرج، ووثب الموريسكيون بالنصارى القاطنين فيما بينهم، ففتكوا بهم ومزّقوهم شرّ ممزق.
ج - اندلع لهيب الثورة في أنحاء الأندلس، ودوّت بصيحة الحرب القديمة، وأعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت، وبدأ الزعماء باختيار أمير يلتفّون حوله، ويكون رمز ملكهم القديم، فوقع اختيارهم على فتى من أهل البيازين يدعى: الدون فرناندو دى كردوبا فالور (١). وكان هذا الاسم النصراني القشتالي، يحجب نسبة عربية رفيعة. ذلك أن فرديناند فالور كان ينتمي في الواقع إلى بني أمية، وكان سليل الملوك والخلفاء الذين سطعت في ظلهم الدولة الإسلامية في الأندلس، زهاء ثلاثة قرون. وكان فتى في العشرين، تنوِّه الرواية القشتالية المعاصرة بوسامته ونبل طلعته، وكان قبل انتظامه في سلك الثوار مستشاراً ببلدية غرناطة، ذا مال ووجاهة. وكان الأمير الجديد يعرف خطر المهمة التي انتدب لها. وكان يضطرم حماسة وجرأة وإقداماً، ففي الحال غادر غرناطة سراً إلى الجبال، ولجأ إلى شيعته آل فالور في قرية بزنار ( Beznar) فهرعت إليه الوفود والجموع من كل ناحية، واحتفل الموريسكيون بتتويجه في (٢٩ كانون الأول - ديسمبر سنة ١٥٦٨ م) في احتفال بسيط مؤثر، فرشت فيه على الأرض أعلام
(١) كردوبا أي قرطبة، وفالور قرية غرناطية تقع على مقربة من أجيجر.