وتخلّف كثيرون منهم، ولا سيما النساء، ففتك الإسبان بهم فتكاً ذريعاً. وحاول منديخار أن يتفاهم مع الثائرين على العفو، وأن يخلدوا إلى السكينة، وبعث إليهم بعض المسالمين من مواطنيهم. وكتب الدون ألونسو فنيجاس (بنيغش) سليل الأسرة الغرناطية القديمة إلى محمد بن أمية يعاتبه، وأنه قد جانَبَ العقل والحزم في القيام بهذه الحركة التي تعرضه وتعرض أمته للهلاك، ونصحه بالتوبة والتماس العفو، وكان محمد بن أمية يميل إلى الصلح والتفاهم، وتبودلت بالفعل المكاتبة بينه وبين المركيز منديخار في أمر التسليم، ولكن المتطرفين من أنصاره ولا سيما المتطوعين المغاربة، رفضوا الصلح، فاستؤنفت المعارك، ورجحت كفّة الإسبان، وهزم الموريسكيون مرة أخرى، وأعلن المركيز دى منديخار أن الأسرى الموريسكيين يعتبرون رقيقاً وفرّ محمد بن أمية، وأسرت أمه وزوجه وأخواته، وأصيب الإسبان بهزيمة شديدة فى آكام (جواخاريس)، وقتل منهم مائة وخمسون جندياً مع ضابطهم، ولكن الموريسكيين آثروا الارتداد، وقتل الإسبان مَن تخلّف منهم أشنع قتل، وكان ممن تخلف منهم زعيم باسل يدعى (الزمار) أسره الإسبان مع ابنته الصغيرة، وأرسلوه إلى غرناطة حيث عذّبوه عذاباً وحشياً، إذ نزع لحمه من عظامه حياً، ثم مزّقت أشلاؤه، وهكذا كانت أساليب الإسبان النصارى ومحاكم التحقيق إزاء العرب المتنصرين.
واختفى محمد بن أمية مدى حين في منزل قريبه (ابن عبو) وكان من أنجاد الزعماء أيضاً، وطارده الإسبان دون أن يظفروا به. على أن هذه الهزائم لم تنل من عزم الموريسكيين، فقد احتشدوا في شرقي البشرات في جموع عظيمة، وأخذوا يهدّدون ألمرية، فسار إليهم المركيز "لوس فيليس" على رأس جيش آخر، ووقعت بين الفريقين عدة معارك شديدة، قثل فيها كثير من الفريقين، ومزّق الموريسكيون، وفتك الإسبان كعادتهم بالأسرى، وقتلوا النساء والأطفال قتلاً ذريعاً.
ووقعت في نفس الوقت في غرناطة مذبحة مروّعة أخرى فقد كان في