للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسئولية على أولي الأمر، وعلى ما أحدثوه من بدع جعلت الحياة مستحيلة على الشعب الموريسكي (١). وجرت المفاوضات بين الزعيم الحبقي قائد قوات الثورة، وبين الدون هرناندو دى براداس، واتفق في النهاية على أن يتقدم الحبقي إلى الدون خوان بإعلان خضوعه، وطلب العفو لمواطنيه، فيصدر العفو العام عن الموريسكيين، وتكفل الحكومة الإسبانية حمايتها لهم أينما ارتأت مقامهم. وفي ذات مساء، سار الحبقي في سرية فرسانه إلى معسكر الدون خوان في أندراش، وقدم له الخضوع، وحصل على العفو المنشود.

ولكن هذا الصلح لم يرض مولاي عبد الله وباقي الزعماء، لأنهم لمحوا فيه نيّة إسبانيا النصرانية على نفيهم ونزعهم عن أوطانهم، ففيم كانت الثورة إذن وفيم كان الجهاد؟! لقد ثار الموريسكيون، لأن إسبانيا أرادت أن تنزعهم لغتهم وتقاليدهم، فكيف بها إذ تعتزم أن تنزعهم ذلك الوطن العزيز، الذي نشأوا في ظلاله الفيحاء، والذي يضم تاريخهم وكل مجدهم وذكرياتهم؟ أنكر الموريسكيون ذلك الصلح المجحف، وارتاب مولاي عبد الله في موقف الحبقي، إذ رآه يروّج لهذا الصلح بكل قواه، ويدعو إلى الخضوع والطاعة للعدو، فاستقدمه لمعسكره بالحيلة، وهناك أُعدم سراً.

ووقف الدون خوان على ذلك، بعد أسابيع من الانتظار والتريث، وبعث رسوله إلى مولاي عبد الله، فأعلن إليه أن يترك الموريسكيين أحراراً في تصرفاتهم، بيد أنه يأبى الخضوع ما بقي فيه عرق ينبض، وأنه يؤثر أن يموت مسلماً مخلصاً لدينه ووطنه، على أن يحصل على مُلك إسبانيا بأسره. والظاهر أن مولاي عبد الله، كانت قد وصلته إمدادات من المغرب شدّت أزره وقوّت أمله، وعادت الثورة إلى اضطرامها حول رندة، وأرسل مولاي عبد الله أخوه الغالب ليقود الثوار في تلك الأنحاء، وثارت الحكومة الإسبانية لهذا


(١) Marmol ; ibid; V١١١ ; Cap. XXV١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>