للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرار التوفيق الصادر في سنة (١٥٧١ م) كما قدمنا.

وفي سنة (١٥٧٧ م) جدِّدت التهم القديمة ضد بني عامر، وقبض على كوزمي وأخيه خوان، وحوكم كوزمي وشرح عقيدته الدينية، وهي مزيج من الإسلام والنصرانية، وعقدت الجلسات الأولى، ولكن القضية أوقفت قبل أن يصل التحقيق إلى مرحلة التعذيب، مما يدل على أن بني عامر بالرغم من سوء حالتهم المالية يومئذ استطاعوا أن يحصلوا على براءتهم وإطلاق سراحهم بدفع مبلغ آخر من المال (١).

وهكذا نرى أن الموريسكيين استطاعوا بالرغم من العسف المنظم، الذي فرضته الدولة والكنيسة عليهم زهاء قرن، أن يحتفظوا في قرارة نفوسهم الكليمة ببقية راسخة من تراثهم الروحي القديم.

هذا من ناحية الدين والعقيدة، أما من الناحية الاجتماعية فقد كان الموريسكيون يكوّنون مجتمعاً متماسكاً متضامناً قوياً بنشاطه ودأبه وذكائه، وقد بلغ عددهم في أواخر القرن السادس عشر وفقاً لتقدير سفير البندقية زهاء ستمائة ألف نفس، وقدّر بعضهم الآخر عددهم يومئذ بأربعمائة ألف نفس، وهو عدد ضخم بالنسبة لسكان إسبانيا في ذلك الوقت، وهو لم يتعد الثمانية ملايين. ووصفهم سفير البندقية في سنة (١٥٩٥ م) - أي بعد قرن من سقوط غرناطة - بأنهم شعب ينمو باضطراد في العدد والثروة، وأنهم لا يذهبون إلى الحرب، ولكن يكرسون نشاطهم للتجارة واجتناء الربح. وذكر الكاتب الإسباني الكبير ثرفانتيس (٢) في بعض رسائله، أن الموريسكيين يتكاثرون وكلهم يتزوج، ولا يدخلون أولادهم قط في سلك الكهنوت أو الجيش، ويقتصدون في الإنفاق، ويكتنزون المال، فهم الآن أغنى الطوائف في إسبانيا. وأما عن الناحية الاقتصادية، فقد قيل: إن الموريسكيين كانوا


(١) Dr Lea: History of the Inquisition; V. ١١١. P. ٣٦٢-٣٦٥.
(٢) مجيل ثرفانتس دي سافدرا (١٥٤٧ - ١٦١٦) من أعظم كتّاب إسبانيا وشعرائها، وهو مؤلف قصة الفروسية الشهيرة: "دون كيخوتي دي لامانشا".

<<  <  ج: ص:  >  >>