للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد" (١).

وقال صاحب الخلاصة النقية - وهو من الكتاب المتأخرين -: "وفي سنة ست عشرة وألف، قدمت الأمم الجالية من جزيرة الأندلس، فأوسع لهم صاحب تونس عثمان باي كنفه، وأباح لهم بناء القرى في مملكته، فبنوا نحو العشرين قرية، واغتبط بهم أهل الحضرة، وتعلموا حُرفهم، وقلّدوا ترفهم" (٢).

وهذه النصوص الموجزة، هي كل ما تقدم إلينا الرواية الإسلامية عن نفي العرب المتنصرين، وقد لبثت رواية المقري عن المأساة، مصدراً لكل ما كتبه الكتاب المتأخرون (٣). وربما كان هذا النقص راجعاً إلى أنه لم يعن أحد من كتاب المغرب المعاصرين، باستيفاء التفاصيل الضافية المؤثرة عن المأساة، أو لعله قد ضاع ما كتبه المعاصرون عنها فيما ضاع، مما كتب عن المراحل الأخيرة لتاريخ الأندلس والعرب المتنصرين، ولم تصلنا على يد المقري سوى لمحات يسيرة.

وهكذا بذلت إسبانيا النصرانية كل ما وسعت لإخراج البقية الباقية من فلول الأمة الأندلسية، ولم تدخر وسيلة بشرية للقضاء على آثار الموريسكيين إلاّ اتخذتها، ومع ذلك فإن آثار الموريسكيين لم تنقطع بعد النفي بصورة نهائية. فقد رأينا أن كثيراً من المنفيين قد عادوا إلى إسبانيا، فراراً مما لَقَوْا في رحيلهم من ضروب الاعتداء المفزع، وأسلموا أنفسهم رقيقاً يقتنى. كذلك كانت ثمة جماعات في الأسرى المسلمين، من مغاربة وغيرهم، ممن يؤخذون في المعارك البحرية مع المغيرين يباعون رقيقاً في إسبانيا، ويفرض عليهم التنصير. ومع أنه صدر قرار يحظر وجودهم في العاصمة الإسبانية، فإنه كان من الصعب إخراجهم من المملكة. نظراً لما ترتب لأصحابهم عليهم من


(١) المؤنس في أخبار إفريقية وتونس (ص: ١٩٣).
(٢) الخلاصة النقية (تونس) (ص: ٩١).
(٣) أنظر الاستقصا (٣/ ١٠١)، حيث تنقل هذه النصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>