الاستهلاك، ومضى وقت طويل قبل أن تستقر الأحوال نوعاً ما، وتفيق الزراعة والصناعة والتجارة من الضربة التي أصابتها.
يقول الدكتور لي:"إنه لا يمكن لفريق من السكان، كان يعتمد عليه مدى القرون، في القيام بقسط عظيم من الإنتاج والتنظيمات المالية في البلاد، أن يُمزَّق فجأة ويُنبَذ، دون أن يبثّ ذلك الخراب الواسع، ويثير معتركاً من المشاكل يمتد أثرها إلى أجيال مرهقة". ثم ينعي على السياسة الإسبانية تخبطها وقصر نظرها فيقول:"وإنه لمن خواص السياسة الإسبانية في ذلك العصر، أنه لم يفكر أحد في هذه الشئون ولم يحتط أحد في المباحثات الطويلة التي جرت في قضية الموريسكيين. وقد حدثت ثمة مناقشات لا نهاية لها حول مختلف المشاريع ومزاياها، والوسائل التي ينفذ بها النفي، وماذا يسمح به للمنفيين، وماذا يكون مصير الأطفال. ولكن النتائج المحتملة تركت للمصادفة، واحتقرت التفاصيل العملية، واحتقر رخاء الفرد، وهو ما يوضح إخفاق السياسة الإسبانية"(١).
وجواباً على هذا التساؤل، فإن الذي حجب التفكير السليم عن الذين بيدهم الأمر في إسبانيا يومئذ؛ وهم رجال الدين والنبلاء المقربون للملك، الذين كانوا هم صانعي القرار، هو أمران: التعصب الأعمى المتسم بالجهل المطبق والمتمثل في كره الإسلام والمسلمين، ومحاولة القضاء عليهم قضاءاً مبرماً. والثاني هو حرص أولئك الزمرة على أموال الموريسكيين المنقولة وغير المنقولة، ورغبتهم الجامحة في اغتصابها لأنفسهم في غطاء من القرارات الملكية، دفاعاً عن حاضر إسبانيا ومستقبلها ظاهرياً، واقتناصاً للمكاسب المادية لأنفسهم واقعياً، حتى ولو أدى جشعهم إلى الإضرار ببلدهم عامة، ورخاء الفرد الإسباني خاصة. ولم يكن نشاط الموريسكيين مجهولاً على النطاقين الحكومي والشعبي في إسبانيا، فنشاطهم واضح