أخضعوا بالسيف، وقد ارتضوا حالتهم كمحنة مؤقتة عابرة، ولم ينبذوا الأمل قط، ولم يتركوا قط الوسائل التي يعتقدون أنها تمكنهم ذات يوم من الأخذ بالثأر، واسترداد استقلالهم وسيادتهم". ثم يقول: "وإنها لخرافة أن يقال: إن الموريسكيين كانوا عنصراً مفيداً في إنتاج إسبانيا، ولو أنهم كانوا كذلك، لحملوا الرخاء إلى بلد المغرب حيث ذهبوا" (١).
ويقول المؤرخ الكبير موديستو لا فونتي - وسنرى أنه يذهب في الصراحة وتقدير الحقائق المنزهة إلى أبعد حد -: "وعلى أي حال، فإن مراسيم فيليب الثالث الشهيرة ضد الموريسكيين، قد جرّدت إسبانيا - وقد كانت يومئذ جدّ مقفرة من السكان، بسبب الإدارة السيئة والحروب المستمرة - من طائفة كبيرة من السكان، أو بعبارة أخرى من السكان الزراعيين والتجاريين والصناعيين من السكان المنتجين، أولئك الذين يساهمون بأكبر قسط في الضرائب. وكان أقل ما في ذلك تسرّب الملايين من الدوقيات التي حملتها الطائفة المنفية معها، في الوقت الذي كانت فيه المملكة تعاني من قلة النقد، فكان نقص الذهب الفجائي على هذا النحو أشد وطأة عليها. كذلك وقع ضرر أفدح بذيوع النقد المزيف أو المنقوص، الذي روّجه المنفيون بسوء قصد قبل رحيلهم. وأسوأ ما في ذلك كله هو: أنه فُقِد برحيلهم العنصر العامل الذكي المتمرس في الفنون النافعة. وهم قد بدأوا بالزراعة وزراعة السكر والقطن والحبوب التي كان لهم بإنتاجها التفوق الجمّ، وذلك لنظامهم المدهش في الرّي بواسطة السواقي والقنوات، وتوزيع المياه بواسطة هذه الشرايين توزيعاً مناسباً، كان له أثره في الإنتاج العظيم الذي امتازت به مروج بلنسية وغرناطة، ثم تابعوا بنسج الأصواف والحرائر، وصنع الورق والجلود المدبوغة، وهي صناعات برع الموريسكيون فيها أيما براعة، وانتهوا بمزاولة الحرف الآلية، وهي حرف كان الإسبان لكسلهم وتكبّرهم يحتقرونها، ومن ثم فقد احتكرها
(١) M. Danvila Y Collado: La Expululsin de Los Moriscos Espanoles (Madrid ١٨٨٩) P. ٣٢٠-٣٢٢.