الموريسكيون واختصّوا بها. وقد عانى كل شيءٍ من نقص في السواعد في البراعة، وهو نقص جعلت المفاجأة من المستحيل تداركه، ثم غدا بعد ذلك ملؤه مبهظاً بطيئاً صعباً".
"ويقول نفس المؤرخ البلنسي الذي شهد النفي، وكتب عقب إتمامه أنه ترتب على ذلك أن بلنسية، وهي حديقة إسبانيا الغناء، استحالت إلى قفر جاف موحش. وحدث هنالك كما حدث في قشتالة، وفي باقي البلاد، أن بدأ شبح الجوع الداهم، وبالرغم من أنه قد جيء بسكان جدد إلى الأماكن التي هجرها الموريسكيون، لكي يتدربوا على العمل في الحقول والمصانع والمعامل، إلى جانب أولئك القلائل الذين ارتضوا البقاء (هو اعتراف مخجل بلا ريب). على أن مثل هذا التمرن لم يؤت نتائجه السريعة، والتدرب والدأب ليسا من الفضائل التي ترتجل، ولم يكن من السهل أن يعوّض مثل هذا الجنس من البشر، وهو الذي استطاع بعبقريته، ومركزه الخاص في البلاد، ووفرة براعته وجَلَده، أن يحقق ما يشبه قهر الطبيعة، واستغلالها لسائر مبتكراته. وهكذا حلّ مكان ضجيج القرى، الصّمتُ الموحش في الأماكن المهجورة. وإذا كان ثمة بعض السادة الإقطاعيين قد غنموا من تراث المنفيين، فقد كان عدد الذين خسروا أعظم بكثير، وبلغ الأمر ببعضهم أن طلبوا نفقات للطعام. أما الذين غنموا، فقد كانوا بلا شك هم الدوق دى ليرما وأسرته، وقد استولوا على نصيب مما تحصل من بيع منازل الموريسكيين".
"ومن ثم فقد اعتبر نفي الموريسكيين من الناحية الاقتصادية بالنسبة إلى إسبانيا، أفدح إجراء مخرِّب يمكن تصوّره، وإنه ليمكن أن تُغض الطرف عن المبالغة التي دفعت بأحد الساسة الأجانب، وهو الكاردينال ريشليو، أن يسميه:(أعرق إجراء في الجرأة البربرية مما عرفه التاريخ في أي عصر سابق)، والحق أن الصدع الذي أصاب ثروة إسبانيا العامة من جرائه، كان من الفداحة بحيث أنه ليس من المبالغة أن نقول: إنه لم يبرأ حتى عصرنا".
"فأما من الناحية الدينية، فقد كان الإجراء ثمرة الأفكار التي سادت في