العالم يمتزج الخير والشر دائماً، وخسارة مليون بأسره من الناس، لم تكن هي السبب الأساسي في إقفار بلادنا من السكان، وإن كان لها أثر في ذلك. وبعد، فإن ذلك يجب ألاّ يُعدّ إلاّ كإحدى قطرات الماء في جانب نفي يهود، واستعمار أمريكا، والحروب الخارجية في مائة مكان معاً، وعدد الجند النظاميين الضخم، وهي أسباب نوّه بها كلها بإيجاز اقتصاديونا القدامى، ومنهم مَن لم يتردد كالحبر فرديناند نفاريتي في نقد نفي الموريسكيين بعد وقوعه بأعوام قليلة، وما كانت، بل وليست الأجزاء المقفرة من السكان في إسبانيا، هي التي تركها العرب، كما أنها ليست أسوأ زراعة، وهو ما يدل على أن الخسارة التي لحقت بالزراعة من جراء نفي كبار الزراع المسلمين، لم تكن عميقة أو باقية الأثر، كما قد يتبادر إلى الذهن لو أننا وقفنا فقط عند عويل أولئك الذين تأملوا الحقول المروية غداة تنفيذ أوامر النفي. ونحن أبعد من أن نعتقد مع الشاعر الساذج الشيوعي نوعاً حسبار دى أجيلار، أنه لم يخسر بالنفي سوى السادة الذين فقدوا أتباعهم المسلمين، وأن الكثرة من الناس قد غنمت وغدا:
الأغنياء فقراء، والفقراء أغنياء
والصغار كبارا، والكبار صغارا
"ذلك أن مثل هذه النظريات، وإن أملاها الإخلاص والحماسة الشعبية، اللذان يضطرم بهما الشاعر، ليست إلاّ من أسخف وأضل ضروب الاقتصاد السياسي. ذلك أن مملكة بلنسية كلها كان لزاماً أن تخسر، وقد خسرت برحيل مثل هذا العدد الجم من عمال مهرة هادئين مثابرين، وقد كانوا حسبما يصفهم السكرتير فرنسيسكو أدياكيث: "يكفون وحدهم لإحداث الخصب والرخاء في سائر الأرض، لبراعتهم في الزراعة، وقناعتهم في الطعام". هذا بينما يصف هذا السكرتير النصارى القدماء بقوله: "إنهم قليلوا الخبرة في الزراعة". على أنه من المحقق أنهم تعلموا، وأن بلنسية قد عمرت فيما بعد، وأن سائر الطرق الزراعية ونُظم الري البديعة، - التي ربما كان من الخطأ أن