تنسب إلى العرب وحدهم - قد أحييت في هذه المناطق حتى يومنا، وإذا كان تدهور الزراعة مما لا ينكر، ولعله مبالغ فيه، فإن تأثر الصناعة كان أقل. ذلك لأن الصناعة كانت قبل ذلك بنصف قرن قد أصيبت باضمحلال واضح، وكذلك لأن الصناعات الرئيسة، إذا استثنينا الورق والحرير، لم تكن في أيدي الموريسكيين، وقد كانوا دائما عمالاً أكثر منهم صناعاً. فإذا قيل مثلاً: إن المناسج التي بلغ عددها من قبل في إشبيلية ستة عشر ألفاً، لم يبق منها في عهد فيليب الخامس سوى ثلاثمائة، ونسب ذلك كله إلى واقعة النفي، فإن أصحاب هذا القول ينسون أنه لم يكن في إشبيلية أحد من الموريسكيين، وأن هذه المصانع كانت قد تركت قبل النفي بخمسين عاماً، كأنما آثر أجدادنا أن يحققوا الثراء بالحرب في إيطاليا وبلاد الفلاندر، وبغزو أمريكا، وكأنهم كانوا ينظرون باحتقار سخيف مؤسف للفنون والأعمال الصناعية. إن اكتشاف العالم الجديد، والثروات التي كانت تتدفق من هناك، فتثير الجشع، وتذكي أطماعاً يسهل تحقيقها. ذلك هو السبب الحقيقي الذي أسكت مناسجنا وأمحل زراعتنا، وجعل منا أول طائفة من المغامرين المحظوظين، ثم بعد ذلك شعباً من الأشراف المتسولين، وانه لمن المضحك أن ننسب إلى سبب واحد، ربما كان أقل الأسباب، ما كان نتيجة لأخطاء اقتصادية يعسر علينا أن نتبين علاقتها بالتعصب الديني".
"والخلاصة، أنه متى تدبّرنا المزايا والمضار، فإننا ننظر إلى إجراء النفي العظيم، بنفس الحماسة التي امتدحه بها لوبي دى فيجا وثرفانتس، وكل إسبانيا في القرن السابع عشر، باعتباره ظفراً لوحدة الجنس ووحدة الدين واللغة والتقاليد. أما الأضرار المادية، فقد شفاها الزمن، وقد استحال ما كان صحراء بلقع قاتمة، إلى مهاد خصبة وحدائق غناء. وأما الذي لا يشفى، وأما الذي يترك دائماً الأحقاد الدموية الأبدية، فهي جرائم تشبه جرائم الوندال. ولما هدأت آثار النفي، أضحى النفي ليس فقط إجراء محموداً، بل كذلك إجراء ضرورياً. ولم يكن ميسوراً أن تحل العقدة، فكان لابد من قطعها،