وبعد أن جعل الفاتحون الدين وراءهم ظِهريّاً وفرّقوا بين الناس - المسلمين - بالجنس والمال والمناصب، أصبحوا ضعفاء في كل مكان.
كانت تسيطر على البلاد العربية إمبراطوريتان عظيمتان، الإمبراطورية الساسانية التي كانت تسيطر على العراق والمشرق، والإمبراطورية البيزنطية المسيطرة على سورية ولبنان وشرقي الأردن وفلسطين ومصر وشمالي إفريقية، ومع سعة أملاك هاتين الإمبراطوريتين وعظمة مظاهرهما، وطول مدة حكمهما، إلاّ أنه كان فيهما الكثير من عوامل الضعف والانحلال. من هذه العوامل: ضعف العقيدة، واختلال النظام، ونقص القيادة، وعواقب الترف وتفرق الآراء .. ولكن البلاء الأكبر إنما حاق بتلك الإمبراطوريتين من آفة الغرور الباطل والاستخفاف بالخصم المقاتل ... ! فكانت دولة الفرس لا تنظر إلى البادية العربية إلاّ نظرة السيّد المبجّل إلى الغوغاء المهازيل ... !، الذين يحتاجون إما إلى العطاء وإما إلى التهذيب. لقد كانت عوامل الفناء قد اصطلحت على هدم الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية قبيل الإسلام وأيام الفتح الإسلامي.
ولكن العوامل التي قضت على الفرس والروم بالهزيمة - كائنة ما كانت - ليست هي العوامل التي قضت للعرب المسلمين بقيام دولة، وانتشار عقيدة، لأنّ استحقاق دول للزّوال لا ينشئ لغيرها حق الظهور والبقاء.
كذلك لم يكن انتصار العرب على الفرس والروم لأنهم عرب وكفى ... ! فقد كان في أرض هاتين الدولتين عرب كثيرون يدينون لهما بالطاعة، وينظرون إليهما نظرة الإكبار والمهابة، وكان القادرون منهم على القتال أوفر من مقاتلة المسلمين وأمضى سلاحاً، وأقرب إلى ساحات القتال من أولئك النازحين إليها من الجزيرة العربية.
وقد كان هناك عرب كثيرون انهزموا أمام المسلمين وهم كذلك أوفر في العدد والسلاح، وأغنى بالخيل والإبل والأموال.
بل إنّ الفئة القليلة من العرب المسلمين انتصروا على الفئة الكثيرة من