كثيرة يطول لها الخطاب، وعمدة ذلك أن كل مدبّر مدينة أو حصن في أندلسنا هذه، أولها عن آخرها، محارب لله تعالى ورسوله، وساعٍ في الأرض لفساد، والذي ترونه عياناً من شنّهم الغارات على أبناء المسلمين من الرعيّة التي تكون في ملك مَن ضارّهم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها، وأنهم ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على القوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية، والضريبة من أهل الإسلام، معتذرين بضرورة لا تبيح ما حرّم الله، غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم ونهيهم، فلا تغافلوا أنفسكم، ولا يغرنكم الفسّاق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزيّنون لأهل الشرّ شرّهم، الناصرون لهم على فسقهم"، وقد كان الفقهاء في الواقع في هذا العصر الذي ساد فيه الانحلال والفوضى الأخلاقية والاجتماعية أكبر عضد لأمراء الطوائف، في تصويغ طغيانهم وظلمهم وتزكية تصرفاتهم الجائرة وابتزازهم لأموال الرعيّة، فقد كانوا "يأكلون على كل مائدة، ويتقلبون في خدمة كل قصر، ليحرزوا النفوذ والمال ويضعون خدماتهم الدينية والفقهية لتأييد الظلم والجور وخديعة الناس باسم الشرع، وقد انفسح لهم بالأخص في ظل الطوائف مجال العمل والدّسّ والاستغلال، واحتضنهم الأمراء الطغاة، وأغدقوا عليهم العطاء"، وقد فطن إلى ذلك إلى جانب ابن حزم قرينه ومعاصره المؤرخ (ابن حيّان) فحمل على الفقهاء ونوّه بصمتهم عن فضح الظلم الذي يرتكبه الأمراء لأنهم على حد قوله: "قد أصبحوا بين آكلٍ من حلوائهم وخابطٍ في أهوائهم" وينوّه ابن حزم باختلاط الحلال بالحرام في مجتمع الطوائف ثم يعود وهو بصدد الإجابة عن وجه السلام في المطعم والملبس والمكسب، وينوّه بما كان يسود مجتمع الطوائف من اختلاط الحرام بالحلال في جباية الضرائب ومجانبتها لحكم الشرع، وهي حالة يقدم لنا عنها الصورة التالية: "وأما الباب الثاني فهو باب قبول المتشابه، وهو في غير زمننا، هذا باب جديد لا يؤثم صاحبه ولا يؤجر، وليس على الناس أن يبحثوا عن أصول ما يحتاجون