الفروسية، واكتفاؤهم الذاتي بأبسط القضايا الإدارية وأقلها، وقابليتهم الممتازة على تطوير أساليب قتالهم، وحفظ خطّ رجعتهم، فهم لذلك جنود ممتازون.
وتيسر قادة أكفاء قادرون على قيادة رجالهم بحزم وجدارة، وانتشار العقيدة الإسلامية بين صفوفهم، وما كانت عليه أحوال الدّول التي فتحوها من اعتلال واختلال، كما أن تسامح المسلمين ونشرهم العدل، وتركهم البلاد المفتوحة على ما هي عليه من دين ومعاملات.
لقد انتصر المسلمون أولاً وقبل كل شيء بعقيدتهم المنشّئة البناءة التي حملها إلى الناس حماة قادرون قادة وجنوداً.
وحين جاء الفاتحون المسلمون للأندلس كانا الحكم فيها ضعيفاً، وكان من بين المسيطرين مَن استعان بالمسلمين على أهل بلاده، ودار الزمن دورته، فأصبح المسلمون متفرقين، يستعين الأخ على أخيه بالأجنبي، كما أنّ المسلم الذي أهمل عقيدته أصبح مشغولاً بالترف والمال، لذلك تخلخلت نخوتهم، وأصبحوا مسلمين جغرافيين، لا مسلمين حقيقيين.
فتح المسلمون الأندلس حين كانت عقيدتهم (عبادة)، فلما تخلّوا عن عقيدتهم وأهملوها، وأصبحت عندهم (عادة)، لذلك سهل عليهم التفريط في بلادهم، والاستعانة بالأجنبيّ على أبناء دينهم، ولعل خير شاهد على ما نقوله ما سجّله (ابن حزم الأندلسي) - وهو من أوثق مؤرخي الأندلس - قال في كتابه، نَقَط العروس - واصفاً عصر ملوك الطوائف -: "لقد شغل عصر الطوائف من حياة الأمة في تحطيم الأخلاق واختلاط الحق بالباطل، والحلال بالحرام" وكل ذلك يجمله ابن حزم في كلمة واحدة، هي المحنة أو الفتنة، ثم يصوّر لنا المحنة أو الفتنة في كلمات قليلة، ولكنها قوية ورائعة، فيصف ابن حزم في (رسالة التلخيص في وجوه التخليص) فيقول: "وأما ما سألت من أمر هذه الفتنة وملابسة الناس بها مع ما ظهر من تربص بعضهم ببعض، فهذا أمر امْتُحِنَّا به، نسأل الله السلامة وهي فتنة سواء، أهلكت الأديان إلاّ مَن وقى الله من وجوه