ما جاء فيمن حدث عن رسول الله حديثاً وهو يرى أنه كذب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً وهو يرى أنه كذب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)].
هذا الحديث وهذه الترجمة فيهما التحذير من التهاون بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يظن أو يعلم أنه كذب، (من حدث عني بحديث وهو يرى)، يرى بفتح الياء يعني: يعلم، أو (وهو يرى) بالضم بمعنى: يظن.
(فهو أحد الكاذبين)، ويصح أن تضم الياء ويقال: يرى، (من حدث عني بحديث وهو يرى) أي: يعلم أنه كذب أو (حدث عني بحديث وهو يرى) أي: يظن أنه كذب (فهو أحد الكاذبين) بالتثنية، أي: أنه شارك في الإثم: أحد الوضاعين، روي هذا وهذا، وهو أحد الكاذبين، يعني: الكاذب الأول الذي كذب وهو الثاني؛ لأنه حدث به وهو يظن أو يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين: وهو من جملة الكاذبين ومن جملة الوضاعين، هذا فيه التحذير الشديد.
الحديث فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى في سماعه من علي رضي الله عنه نظر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)].
هذا بنفس المعنى في الحديث السابق، وكذلك في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من سمرة نظر، لكن أحدهما يقوي الآخر ويفيد التحذير عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يتأكد منه، إذا كان يظن أنه كذب فلا يحدثه، وإذا كان يعلم يكون أشد وأشد، فلا يحدث بالضعيف أو الموضوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه البيان بأنه ليس بصحيح.
قال في الشرح: قال النووي: المشهور روايته بصيغة الجمع، أي: فهو واحد من جملة الوضاعين الواضعين للحديث.
يعني: جملة الوضاعين الكذابين، أو أحد الكاذبين يكون هو الكاذب الثاني، والكاذب الأول الذي روى عنه الحديث.
قال: وقد جاء بصيغة التثنية كذلك.
أي: أن الحديث الأول: الكاذبين والحديث الثاني: الكذابين.
والكذاب أشد من الكاذب صيغة مبالغة.
قال الحافظ: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ست وثمانين، وقيل: إنه غرق.
وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، رجح أنه أول من أسلم وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين.
وهذا ما دام أنه اختلف في سماعه من عمر فسماعه من علي يكون ثابتاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)].
يرى كما سبق فيها الوجهان: يَرى ويُرى، يَرى بمعنى: يعلم، ويُرى بمعنى: يظن.
(وأحد الكاذبين) بالتثنية، يعني: هو الكاذب الثاني، والكاذب الأول الذي وضع الحديث، أو (أحد الكاذبين) بالجمع، يعني: من جملة الوضاعين، وجاء هذا في التحذير من التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير تأكد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)].