[شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر من عن أيمن منه فلا يرى إلا شيئاً قدمه، ثم ينظر من عن أيسر منه فلا يرى إلا شيء قدمه، ثم ينظر أمامه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل)].
وهذا الحديث ثابت في الصحيح، وإن كان في إسناده ضعيف هنا، وفيه أن الناس يوم القيامة تستقبلهم النار، وأن الإنسان يقف بين يدي الله ولا يرى عن يمينه إلا ما قدم، وعن يساره إلا ما قدم، ثم يرى النار أمامه، قال: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة).
فيه دليل على أن الصدقة وقاية من عذاب النار، وأن الكلام الطيب يقوم مقام الصدقة عند عدمها، فإذا لم يجد الإنسان شيئاً فالكلام الطيب، فيعد الفقير ويقول: إن شاء الله تأتينا في وقت آخر، إن شاء الله يأتينا الخير، ويرده بكلام طيب.
وفي الحديث: أن الإنسان يرى عمله يوم القيامة، فلا يرى عن يمينه إلا ما قدم، وعن يساره إلا ما قدم، ثم يرى النار أمامه فاتقوا النار ولو بشق تمرة، وذلك أن نصف تمره تفيد الفقير، فيعطيه شخص نصف تمرة وآخر تمرة، وهكذا يجمع له خير، فمن لم يجد حتى نصف تمرة فكلمة طيبة، يرد بها الفقير.
جاء في الصحيح أن امرأة جاءت إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تسأل ومعها ابنتان لها، فلم تجد عند أم المؤمنين إلا تمرة واحدة، ما وجدت إلا تمرة واحدة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطت التمرة هذه المسكينة فشقتها بين ابنتيها، وأعطت كل واحدة نصفاً ولم تأكل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوجب لها الجنة) وفي لفظ آخر: أن امرأة جاءت تسأل ومعها ابنتاها، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، ورفعت إلى فيها التمرة الثالثة لتأكلها، لكن البنتين كل واحدة أكلت التمرة بسرعة، وجعلت كل واحدة تنظر إلى الأم وإلى التمرة؛ فلما رأت المرأة أنهما ينظران إليها عدلت عن نفسها وشقتها بين ابنتيها، وعائشة تنظر، قالت: فأعجبني شأنها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوجب لها بها الجنة)، أي: بهذه الرحمة.
لا يحتقر الإنسان شيئاً، فيعطى الفقير ولو ريالاً، فقد يسد حاجتة، ويستطيع أن يشتري له به ماءً، أو خبزة يأكلها في الحال، ولا يعلم أحوال الناس إلا الله، فبعض الفقراء يبيتون جياعاً ولا يعلم عنهم أحد، وبعضهم يستحون، وبعضهم يجلس اليوم واليومين يتضور جوعاً ولا يجد شيئاً، فإذا أعطي الفقير ولو شيئاً يسيراً يسد الفاقة عند شدتها فهذا خير عظيم عند الله.
وفي الحديث: إثبات صفة الكلام لله تعالى على ما يليق بجلاله، وتثبت صفات الله تعالى كما هي، ولا تؤول بلازمها، كما يقال: الرضا هو إرادة الثواب، ومن أثر الرضا أن الله يثيب المؤمنين، ومن أثر الغضب أن الله يعاقب الكافرين، وإنما نقول: إن الله يغضب كما يليق بجلاله وعظمته، لكن من لوازم الغضب عقوبة الكافرين.
كذلك الرضا صفة ثابتة لله، ومن أثره إثابة المؤمنين، كذلك الرحمة فسرت بالإنعام، يقولون: الإنعام، وهذا أثر من آثار الرحمة.
أما الجهمية فإنهم أنكروا الصفات كلها ولم يؤلوها أو يثبتوها، ولذا كفرهم كثير من العلماء وقد ذكر ابن القيم أنهم خمسمائة عالم، فقال رحمه الله: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان.
واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل حكاه قبله الطبراني.
فخمسمائة عالم كفروا الجهمية، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية لخبثها وشرها.
وقال كثير من السلف: إن أقوال الجهمية تدور على أنهم يقولون: ليس فوق العرش إله؛ لأنهم نفوا الأسماء والصفات لله، وهذا يفيد العدم نسأل الله السلامة والعافية، وبعض العلماء أخرجهم من الثنتين والسبعين فرقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فهذه فرق المبتدعة كلها متوعدة بالنار، والجهمية تخرج من هذه الفرق؛ لأنهم كفار، وكذلك غلاة القدرية الذين ينكرون العلم والكتاب، وكذلك الرافضة، فأخرجوا هذه الفرق الثلاث من فرق الأمة وجعلوهم كفاراً.
ومن العلماء من بدعهم، ومن العلماء من كفر الغلاة دون العامة.