[فضل من تعلم القرآن وعلمه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل من تعلم القرآن وعلمه.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا شعبة وسفيان عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: أفضلكم (من تعلم القرآن وعلمه)].
هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وفيه فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأنهم خير الناس وأفضل الناس، والمراد من تعلم القرآن أي: قرأ القرآن وحفظ ألفاظه، وتعلم معانيه وعمل به، فهؤلاء من خيار الناس، أما من لم يعمل به فإنه حجة عليه، ولهذا قال بعض السلف: ليحذر أحدكم أن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، قيل: كيف يقرأ القرآن والقرآن يعلنه؟ قال: يقرأ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨] وهو يتعامل بالربا، يقرأ قول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:١٨٨] وهو يأكل أموال الناس بالباطل، يقرأ: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨] وهو يظلم، يقرأ {لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:٦١] ويكذب.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا معانيها والعمل بها، والقراء هم العلماء وهم أهل مجلس عمر رضي الله عنه وكانوا شباباً أو كهولاً، والمراد بالقراء: العلماء؛ لأن القراء هم العلماء في العصر الأول، ولم يكن هناك قراء ليسوا علماء، بل القراء هم العلماء، بخلاف الأزمان المتأخرة ففيهما قراء وليسوا علماء، وليس عندهم فقه.
جاء عن عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قالا عن الصحابة: كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معانيها والعمل بها، قالوا: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً.
ومكث ابن عمر في سورة البقرة ثماني سنين يتعلم معانيها وأحكامها وفقهها.
ولما سمع أبو عبد الرحمن السلمي هذا الحديث جلس يقرئ الناس القرآن ويعلمهم أربعين سنة، وكان الصحابة والتابعون هم أسبق الناس إلى العمل بنصوص الكتاب والسنة، وهم أهل العلم والعمل جميعاً، أما من يعلم ولا يعمل فهذا فيه شبه باليهود ومغضوب عليه، نسأل الله السلامة والعافية.
والذي يعمل بدون علم هذا ضال كالنصارى وأشباههم، والذي يعلم ويعمل هو من أهل الصراط المستقيم، وهم من المنعم عليهم، وهؤلاء هم أهل العلم والعمل جمعياً، وهم أهل الله وخاصته، وهم أهل القرآن.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)].
وهذا كسابقه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أزهر بن مروان حدثنا الحارث بن نبهان حدثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه) قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا أقرئ].
وهذا ضعيف الإسناد؛ لأن الحارث بن نبهان ضعيف جداً، ولكن معناه صحيح، فقوله: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه) دل عليه الحديث السابق أن من تعلم القرآن وعلمه هم خيار الناس وأفضل الناس، وهم أهل القرآن العاملون به، ولو لم يحفظه عن ظهر قلب، فمن قرأ القرآن وعمل بما فيه فهو من أهل الله الخاصة، سواء حفظه عن ظهر قلب أو لم يحفظه، لكن لو حفظه عن ظهر قلب فهذا أفضل، وإن لم يحفظه وقرأ من المصحف وهو يعمل به فهو من أهل القرآن.
وأما من يأخذ أجرة على تعليم القرآن فيرجى له أن يدخل في هذا إذا كان محتاجاً؛ لحديث البخاري: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)؛ لأنه من أجل التعليم ومن أجل كونه يجلس ويأخذ التعليم عليه وقتاً قد لا يتيسر له وقت للكسب، فالصواب: أنه لا بأس بأخذ الأجرة على تعليم القرآن.
لكن إذا أقرأ القرآن وعلم القرآن بدون أجر فهذا أفضل، وإن أخذ أجراً لحاجته فله أجره.