قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا عمار بن سيف عن أبي معاذ البصري ح وحدثنا علي بن محمد حدثنا إسحاق بن منصور عن عمار بن سيف عن أبي معاذ عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله! وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة، قالوا: يا رسول الله! ومن يدخله؟ قال: أُعِدَّ للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء) قال المحاربي: الجورة.
قال أبو الحسن: حدثنا حازم بن يحيى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن نمير قالا: حدثنا ابن نمير عن معاوية النصري -وكان ثقة- ثم ذكر الحديث نحوه بإسناده.
حدثنا إبراهيم بن نصر حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل حدثنا عمار بن سيف عن أبي معاذ قال مالك بن إسماعيل: قال عمار: لا أدري محمد أو أنس بن سيرين].
هذه الأسانيد كلها مدارها على عمار بن سيف وأبي معاذ وهما ضعيفان، فالحديث ضعيف بهذا السند، وأما المتن ففيه نكارة، فإن فيه أن جهنم تتعوذ من جب الحُزن فتتعوذ من نفسها ومن جزء منها، وقد ورد في بعض الأحاديث الاستعاذة من شر النفس، ومعنى ذلك: الاستعاذة من شرها كلها وليس من جزءٍ منها.
وأما القراء الذين يراءون بأعمالهم فقد ثبت فيهم الوعيد الشديد من النصوص الأخرى الواضحة، قال الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:١١٠]، وقال سبحانه:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لقمان:٢٢]، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، والرياء لا شك أنه من الشرك، قال عليه الصلاة والسلام:(ألا أنبئكم بما هو أقوى عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)، فالرياء والسمعة في الأعمال أو الأقوال لا شك أنه من الشرك؛ وإن كان شركاً أصغر، فالأحاديث والنصوص الواضحة الصحيحة كافية في هذا، أما هذا الحديث فضعيف.
وابن ماجة يذكر مثل هذه الأحاديث من باب الترغيب والترهيب، ولذا قال العراقي في ألفيته:(وسهلوا)، أي: في رواية الأحاديث الضعيفة من باب الترهيب والترغيب، وقد يكون لبعضها شواهد.
وقال الترمذي: حسن غريب.
ومقصوده بالحسن: أن له طريقاً أخرى، أو حسن من جهة المتن، وقد اختلف العلماء في قول الترمذي رحمه الله عن الحديث أنه حسن.
وقد جاء في الحديث:(إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، ولولا أنه خففها لما استفدتم منها بشيء).