[مذهب المرجئة في الإيمان]
المرجئة يقولون: الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما أعمال الجوارح وقول اللسان فليس من الإيمان، وهذا من أبطل الباطل، والصواب: أن الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، فهذه الأربعة الأشياء كلها داخلة في مسمى الإيمان، وهي: قول القلب وتصديقه وإقراره، وعمل القلب وهو: النية والإخلاص والمحبة والرغبة والرهبة والخشية، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة، وقول اللسان كتلاوة القرآن والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، خلافاً للمرجئة -مرجئة الفقهاء كالأحناف وغيرهم- الذين يقولون: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها مطلوبة، وأما المرجئة المحضة كالجهمية فيقولون: ليست مطلوبة، وإنما يكفي معرفة القلب، وهذا من أبطل الباطل.
يقولون: مطلوبة وليست من الإيمان، فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل.
والإمام أبو حنيفة عنه روايتان: الرواية الأولى التي عليها أكثر أصحابه: أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان وتصديق بالقلب.
والرواية الثانية: أن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب، وليس من الإيمان، مثل الأعمال، والصواب: أنها من الإيمان.
ومذهب أهل السنة: أن الأعمال مطلوبة وهي من الإيمان، والمرجئة المحضة كالجهمية قالوا: ليست مطلوبة، بل يكفي معرفة الرب بالقلب، فعند الجهم -والعياذ بالله- الإيمان: معرفة الرب بالقلب، والكفر هو: جهل الرب بالقلب، فألزمه العلماء بهذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وأبو طالب مؤمن، واليهود مؤمنون؛ لأنهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦]، وهذا من أبطل الباطل.
وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان: هو تعريف الجهم له، ثم يليه قول الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو إقرار باللسان فقط، فإذا أقر بلسانه فهو مؤمن، وإذا خالف عمله ما تكلم به بلسانه صار منافقاً، ويقولون: إن الإنسان قد يكون مؤمناً كامل الإيمان ومع ذلك يخلد في النار، مثل قول المرجئة الذين يقولون: من أقر بلسانه فهو مؤمن ولو كان منافقاً في الباطن، فإذا كان منافقاً في الباطن فهو مؤمن كامل الإيمان وهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل، ثم يليه قول مرجئة الفقهاء ثم قول الخوارج الذين يقولون: الإيمان هو: التصديق، والأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان فإذا تخلف عمل من الأعمال أو فعل معصية ذهب الإيمان كله وصار كافراً وخلد في النار والعياذ بالله؛ لأن الإيمان عندهم لا يتبعض ولا يتعدد.
والشبهة التي بنى عليها جميع أهل البدع أقوالهم في الإيمان هي: أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد ولا يتبعض، ولا يذهب بعضه ولا يبقى بعضه.
وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان متعدد ومتبعض، ويزيد وينقص، ويقوى ويضعف، ويذهب بعضه ويبقى بعضه.
ويقول شارح الطحاوية: إن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة، والصحيح أنه ليس لفظياً من جميع جميع الوجوه، وله آثار تترتب عليه.
منها: فتح الباب للمرجئة الذين يقولون: الأعمال غير مطلوبة.
ومنها: فتح الباب للفساق، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كـ أبي بكر وعمر، فإذا قيل له: كيف يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر وعمر ولهما أعمال عظيمة؟ قال: إن الإيمان هو: التصديق، والأعمال شيء آخر، وأنا مصدق وأبو بكر مصدق، ففتح المرجئة باباً للقول: بأن إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد! ومنها: أنهم خالفوا نصوص الكتاب والسنة لفظاً، وإن كانوا وافقوهما في المعنى، بخلاف أهل السنة فإنهم وافقوا النصوص لفظاً ومعنى، وتأدبوا مع النصوص، والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، ولا يخالفها لا لفظاً ولا معنى، كهؤلاء الذين وافقوا النصوص في المعنى فقالوا: الأعمال مطلوبة، ولكنهم خالفوا النصوص لفظاً، فإن الله تعالى أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:٢ - ٤]، فأدخل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن ووجل القلب عند ذكر الله والتوكل على الله في مسمى الإيمان.
والحياء: عمل قلبي وخلق داخلي يبعث الإنسان على فعل المحامد وترك الرذائل والمذام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان.
ح وحدثنا عمرو بن رافع حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: (إن الحياء شعبة من الإيمان)].
وفي اللفظ الآخر: (دعه فإن الحياء خير كله)، وهذا لفظ مسلم.