أول من تكلم بالقدر من القدرية هو معبد الجهني بالبصرة، ثم أخذه عنه غيلان الدمشقي، فأنكر ذلك عليهم بعض التابعين، فجاءوا يسألون عبد الله بن عمر، فجاء منهم رجلان ودعوا أن ييسر الله لهما أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسألاه عما حدث عندهم، والسائلان هما: يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري، فقالا: فوفق لنا عبد الله بن عمر فسألته وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه ظهر قبلنا أناس يتقفرون العلم، أي: يطلبون العلم، ويزعمون أن الأمر أنف، يعني: مستألف وجديد لم يقدر، قال: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده! لو أن لأحد مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بحديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال:(الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، فمن أنكر القدر فقد أنكر أحد أصول الدين، وإذا مات مات على كفر وخلد في النار خلوداً مؤبداً، وأما إذا مات على المعاصي فإنه تحت المشيئة، وهو على خطر، وإذا أدخله الله النار فإنه يطهر فيها بقدر ذنوبه ومعاصيه، ثم يخرج منها إلى الجنة.
ويروى عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحها واكتبني سعيداً.
وقوله هذا يحمل على أنه يمحى ما في كتب الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يغير ولا يبدل، كما قال الله عز وجل:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}[الرعد:٣٩] أي: من صحف الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ؛ ولهذا قال:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:٣٩]، فهذا إن صح عن عمر فهو محمول على ما ذكرنا، لكن الأولى أن يسأل الإنسان ربه السلامة والعافية، وأن يوفقه للعمل الصالح، وإلى الخاتمة الحسنة.