لقد كتب ابن ماجة رحمه الله هذه المقدمة العظيمة، وقد اشتملت على مائتين وستة وستين حديثاً، وقد بدأ بأصول الدين، ثم بعد ذلك دخل في الفروع، فبدَأَ -على عادة المؤلفين في العبادات- بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم بعد ذلك دخل في المعاملات، لكنه بدأ بما يتعلق بالإيمان والتوحيد على طريقة المتقدمين كـ البخاري ومسلم وغيرهما، فهم يذكرون أولاً ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة والإيمان والعلم، ثم بعد ذلك يدخلون في الفروع، ويبدءون بالصلاة، والصلاة أعظم الواجبات، وأعظم الفرائض بعد الإيمان والتوحيد، وبدأ بالطهارة لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.
أما المتأخرون فإنهم اصطلحوا على أن تبدأ مؤلفاتهم بالطهارة، ويجعلون للتوحيد والإيمان كتباً خاصة، ولكن صنيع المتقدمين أحسن وأولى، كما فعل ابن ماجة، حيث بدأ بالإيمان والتوحيد وأصول الدين، وبدأ البخاري بالوحي ثم الإيمان ثم العلم، ومسلم بدأ بكتاب الإيمان وهكذا.
ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه: إن طريقة المتأخرين حصل فيها ضرر لكثير من الناس، فإن كثيراً من الناس يدرسون الفروع، وأحكام الفروع، ويبدءون بالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم المعاملات، وينسون ما يتعلق بالتوحيد والإيمان؛ ولهذا ضعف كثير من الناس، فهم لا يعرفون التوحيد، وليس عندهم تحقيق، ولا يعرف أحدهم الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والأسماء والصفات؛ بسبب أنه يقرأ كتب المتأخرين، والمتأخرون يبدءون كتبهم بكتاب الطهارة والصلاة ولا يتكلمون عن التوحيد، اكتفاء بأن التوحيد والإيمان له كتب خاصة، وهذا حصل فيه ضرر لكثير من الناس، فطريقة المتقدمين أحسن، حيث يبدأ القارئ والمتعلم بما يتعلق بأصول الدين والتوحيد والإيمان، وإثبات الصفات لله عز وجل، والعلم، ثم بعد ذلك يدخل في أبواب الفروع، في الطهارة والصلاة ونحو ذلك.