للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث ابن مسعود في أطوار خلق الإنسان في بطن أمه وبعد خروجه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القدر.

حدثنا علي بن محمد قال حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: أكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وهذا السند فيه عنعنة الأعمش، وقد صرح الأعمش بالتحديث عند أحمد، والبخاري، وأبي داود، والترمذي.

وإن كان في هذا السند قد عنعن لكن تدليسه قليل، وقد صرح في أماكن أخرى، وهذا الحديث حديث عظيم، وهو دليل على أن الإنسان عندما يخلق في بطن أمه يكون على أطوار وعلى مراحل، فالطور الأول: يكون أربعين يوماً نطفة، فيجتمع فيها ماء الرجل وماء المرأة، ثم بعد الأربعين ينتقل إلى طور آخر، فتكون النطفة علقة، أي: قطعة دم، كانت ماءً، ثم تنتقل إلى الطور الثالث بعد الأربعين فتكون مضغة، أي: قطعة لحم، قدر ما يمضغ الفم.

فإذا تجاوز الجنين هذه الأطوار الثلاثة -أي: بعد مائة وعشرين يوماً- يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، فيكون إنساناً آدمياً، ويؤمر الملك بكتابة أربع كلمات: الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة.

وجاء في بعض الأحاديث أن الملك يأتي بعد اثنين وثمانين يوماً، فلعل معظم النطف بعضها تخلق بعد ثمانين يوماً، وبعضها تخلق بعد مائة وعشرين يوماً.

وفيه أن الشقاوة والسعادة سابقة قد كتبت على الإنسان، وأن الله تعالى ييسر الإنسان لما خلق له، ولما قال الصحابة رضوان الله عليهم: (يا رسول الله! ما يكدح فيه الناس أفي شيء قضي وفرغ منه أم في شيء يستقبل؟ قال: في شيء قضي وفرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:٥ - ١٠]).

<<  <  ج: ص:  >  >>