قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)].
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، ومعنى الحديث: أنه لا يؤمن الإيمان الكامل الواجب الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة والنجاة من النار حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فإن قدم محبة المال أو الولد أو الوالد أو التجارات أو الأموال أو المساكن على محبة الله ورسوله فإنه يكون عاصياً، ولم يأت بالإيمان الواجب، ويكون إيمانه ضعيفاً، بل يكون فاسقاً، فمثلاً: من تعامل بالربا فقد قدم محبته على محبة الله ورسوله، ويكون عاصياً، والإيمان الكامل أن يقدم محبة الله على محبة المال، فلا يتعامل بالربا ولا يأخذ الرشوة، وكذلك لو أمره والده بالمعصية ثم أطاعه فقد قدم محبة الوالد على محبة الله ورسوله، ويكون عاصياً، ولهذا توعد الله من قدم شيئاً من الأصناف الثمانية على محبة الله ورسوله في قوله سبحانه:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤]، يعني انتظروا ما يحل بكم من عقوبة الله، {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}[التوبة:٢٤] وهذا تهديد، ثم قال:{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤]، فدل على أن هذا من الفسق ومن الخروج عن الطاعة.
وقد ثبت أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله! إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبلغ المحبة حتى أكون أحب إليك من نفسك.
فقال عمر: يا رسول الله! الآن أنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي.
فقال: الآن يا عمر!) يعني: الآن بلغت المحبة التامة.