قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) ثلاثاً].
وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، كما أخرجه أبو داود في السنن، وفيه ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأن موسى لقي آدم فقال له: يا آدم! أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ وفي هذا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته، وكلمك، -وفي هذه الرواية- وخط لك التوراة بيده، أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاماً؟ وفي لفظ آخر:(هل وجدت ذلك مكتوباً علي؟ قال: نعم، فقال النبي: فحج آدم موسى).
قوله:(حج آدم موسى) أي: غلبه بالحجة وخصمه، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لامه على المصيبة التي لحقته وذريته، وهي الخروج من الجنة، وليس المراد أن موسى لامه على الذنب؛ لأنه قد تاب منه، والتائب من الذنب لا يلام عليه، وإنما لامه على المصيبة التي لحقته وذريته وهي الخروج من الجنة؛ فاحتج آدم بأن هذه المصيبة مكتوبة عليه، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، وأما الاحتجاج بالقدر على المعاصي فهو ممنوع، فلا يصح أن يحتج الإنسان بالقدر على المعصية، لكن يحتج بالقدر على المصائب.