[شرح حديث: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده).
هذا الحديث لا بأس بسنده، ويشهد له حديث أبي هريرة عند مسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وهو في معناه، فدل هذان الحديثان وأمثالهما على أن الإنسان بعد موته ينتفع بما تسبب به في الحياة وبما يهدى أيضاً إليه من ثواب أعمال صالحة أو دعاء من الأحياء.
والصدقة الجارية: هي الأوقاف التي يوقفها الإنسان في حياته كمسجد يبنيه، أو نخل يوقفها، أو مصاحف، أو غير ذلك من كتب العلم يطبعها ويجعلها وقفاً على طلبة العلم، أو دورات مياه يصلحها للناس؛ كل هذا من الصدقة الجارية.
(أو علم ينتفع به) يشمل الكتب التي ألفها، والطلاب الذين درسهم وما أشبه ذلك من العلم الذي ينتفع به بعد موته.
(أو ولد صالح يدعو له)، أي: ولد صالح رباه وعلمه، ونشأه فدعا له، وكذلك ينتفع بما يهدى إليه من صدقات الأحياء بعد موته، والأوقاف التي يوقفها الأحياء له، والدعوات التي يدعون له، كل ذلك ينتفع به.
وكذلك الاستغفار يعتبر نوعاً من أنواع الدعاء الذي ينفع الحي والميت.
وأما قراءة القرآن ففيه خلاف بين أهل العلم، وكذلك التسبيح، والتهليل، وصلاة ركعتين ينوي ثوابها للميت، ويصوم وينوي ثواب صيامه للميت، ويطوف بالبيت وينوي ثواب الطواف للميت، فهذا فيه خلاف بين العلماء، ولم يأت فيه نص، إنما النص ورد في أربعة أشياء: (يتبع الميت أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة).
فبعض العلماء قاس عليها الصلاة والصيام وقراءة القرآن والتسبيح يُنوى ثوابها للميت، وذهب إلى هذا الحنابلة وجماعة من أهل العلم، فقالوا: كل قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعته.
هذا هو القول الأول.
والقول الثاني: أن العبادات توقيفية، وأن هذا خاص بما جاءت به النصوص، والنصوص إنما جاءت في أربعة أنواع: الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وهذا هو الأرجح، ويلحق بذلك الصيام الذي يقضى عن الميت، إذا مات وعليه صيام من رمضان أو نذر أو كفارة يقضى عنه وينفعه؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يعني: عليه صوم واجب سواء كان من رمضان، أو كفارة، أو نذر.
وإذا صنع طعاماً وأهدى ثوابه للميت فلا بأس وفي أي وقت، ويتحرى الإنسان الذي هو أنفع للفقير، والصواب: أنه يقتصر على الأربع التي وردت: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة، وكذلك قضاء الصوم الواجب على الميت، أما أن يصلي عن الميت ركعتين، أو يسبح، أو يطوف بالبيت وينوي ثوابها للميت فليس عليه دليل، لكن يصوم لنفسه، ويدعو للميت، ويصلي لنفسه ويدعو للميت، ويطوف بالبيت لنفسه ويدعو للميت.
وليس هناك وقت محدد للصدقة، فقد كان الناس قديماً أيام المجاعة يخصصون يومي الإثنين والخميس، لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، ولكن الأولى أن الإنسان يتحرى الأنفع للفقير.
وبعض الناس يتصدق في المقبرة، والأولى عدم التمادي في مثل هذا؛ لأنه قد يتوسع بعض الناس في ذلك.
لكن لو اشتد العطش مثلاً واحتاج الناس إلى شراب وأتى إنسان بشيء ليس معتاداً فلا بأس، أما كونه يعتاد هذا ويتوسع الناس فيه فلا، وقد توسع بعضهم في هذا حتى إنه يأتي بعصير وقد يأتي بحلويات، فهذا مما لا ينبغي.
والطواف المستقل إذا أهدي للميت فليس عليه دليل، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة المستقلان، وبعض العلماء كالحنابلة وغيرهم قاسوا الطواف عليه، فقالوا: كل قربة تنفع الميت، كالطواف بالبيت، والتسبيح والتهليل، وصلاة ركعتين أو أكثر، وآخرون من أهل العلم اقتصروا على ما جاءت به النصوص، وهذا هو الأرجح.
أما الضحية فلا يشترط فيها كونها صدقة؛ لأنها نوع من الصدقة، أما إذا كانت وصية فلا بأس، وإذا كانت غير وصية فالأولى أن يشرك في الأموال.
أما صدقة التطوع، فأمرها عام وواسع، لكن الزكاة خاصة بالأصناف الثمانية.