شرح حديث: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد وسريج بن النعمان قالا: حدثنا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجهُ الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرفَ الجنة يوم القيامة) يعني: ريحها].
قوله: (مما يبتغي) أي: المتعلم، فيكون (وجه) مفعولاً به، أو (مما يبتغى به وجه الله) فيكون (وجه) نائب فاعل.
وهذا الحديث ضعيف لأجل فليح بن سليمان، لكن له شواهد وهو ثابت، وفيه الوعيد الشديد على تعلم العلم لأجل الدنيا، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجهُ الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة)، وفي هذا اللفظ: (لم يجد عرف الجنة) يعني: ريحها، ويشهد له كذلك قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].
فتعلم العلم من أجل القربات، وأفضل الطاعات، فيجب على الإنسان أن يخلصه لله، وأن يخلص نيته لله في طلبه للعلم، ويقصد به وجه الله والدار الآخرة، فيتعلم العلم من أجل أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، من أجل أن يعبد الله على بصيرة، يتعلمه طاعة لله وابتغاء مرضاته وتعبداً له؛ لأن تعلم العلم من أفضل القربات وأجل الطاعات، حتى قال العلماء: إنه أفضل من نوافل العبادة وأفضل من أن تتفرغ للعبادة، فإذا كان يمنعك صلاة النافلة أو صوم النافلة من طلب العلم فطلب العلم مقدم، فالواجب على طالب العلم أن يخلص نيته لله، وأن يقصد في تعلمه للعلم وجه الله والدار الآخرة، وأن يرفع عن نفسه الجهل، سئل الإمام أحمد رحمه الله: كيف يخلص نيته لله؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره؛ فيعبد ربه على بصيرة، وينوي رفع الجهل عن غيره ويعلم غيره؛ لأن الإنسان خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً ثم علمه الله، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨].
والحديث ضعيف كما سبق، لكن الشواهد تقويه، وينظر هل هو في مسلم أو معناه فقط، وأظنه في سنن أبي داود، وتشهد له الآية الكريمة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].
والآيات الكريمة قد تشهد للحديث الضعيف ويدل على أن له أصل.
والمراد بالعلم هنا العلم الشرعي، والعلم إذا أطلق فالمراد به العلم الشرعي، علم الحلال والحرام، وفي مقدمة ذلك علم التوحيد وأسماء الله وصفاته وأفعاله، وقد ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وأنا القاسم والله المعطي)، هذا الحديث منطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، ومفهومه: أن من لم يفقه في الدين لم يرد الله به خيراً، وأعظم الفقه في الدين الفقه في أسماء الله وصفاته، ثم الفقه في أحكام الحلال والحرام.
[قال أبو الحسن: أنبأنا أبو حاتم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا فليح بن سليمان، فذكر نحوه].
أبو الحسن القطان هو راوي السنن عن ابن ماجة.
وهذا سند آخر لكن مداره على فليح شيخ الحديث الأول.