قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أنرى الله يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين! أليس كلكم يرى القمر مخلياً به؟ قال قلت: بلى، قال: فالله أعظم، وذلك آية في خلقه)].
وهذا في سنده وكيع بن حدس، يقال: حدس بالحاء، ويقال: عدس بالعين والدال، وحدس أو عدس قال الحافظ في التقريب: مقبول، والحديث له شواهد، وفيه إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ولهذا قال: أليس كلكم يرى القمر مخلياً به؟ يعني: منفرداً لا يزدحم مع غيره، فكما أنكم ترون القمر منفردين فكذلك يرى المؤمن ربه يوم القيامة بدون مشقة.
وهل رؤية الله خاصة بالمؤمنين؟ المؤمنون هم الذين يرون ربهم يوم القيامة في الجنة، أما غير المؤمنين ففيه خلاف، وهناك ثلاثة أقوال لأهل العلم، فقيل: يرونه جميعاً الكفار والمنافقون والمؤمنون في موقف القيامة، ثم يحتجب عن الكفار والمنافقين.
وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون كما في الحديث الصحيح الذي فيه: أن المؤمنين يرون ربهم مع المنافقين بعد أن يذهب الكفار ويتساقطون في النار مع من عبدوهم من دون الله، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، كما في الحديث الصحيح الذي في البخاري:(تبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيتجلى لهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، قال: أليس بينكم وبينه علامة - جعل الله لهم علامة وهي كشف الساق - فإذا كشف الساق سجدوا له) أي: سجد له المؤمنون، فإذا أراد المنافقون أن يسجدوا صار ظهر كل واحد منهم طبقاً، فهذا معنى قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم:٤٢].
فظاهره أن المنافقين يرون الله مع المؤمنين؛ لأنهم كانوا معهم في الدنيا؛ ولأنهم أظهروا الإسلام، ثم بعد ذلك إذا ذهب المؤمنون والمنافقون في العبور على الصراط ينطفئ نور المنافقين، ويضرب بينهم وبين المؤمنين كما قال الله:{بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد:١٣].
وقال آخرون: لا يراه إلا المؤمنون خاصة، فهذه ثلاثة أقوال لأهل للعلم.
والمؤمنون يرون ربهم أربع مرات في الموقف كما جاء في حديث الرؤيا في الصحيحين وفي غيرها، وروي هذا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، أنهم يرونه أولاً، ثم يرونه مرة في غير الصورة التي يعرفون؛ فينكرون، ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفون؛ فيسجدون، ثم إذا رفعوا رءوسهم رأوه في الصورة التي رأوه فيها أول مرة.