للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في اجتناب البدع والجدل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اجتناب البدع والجدل.

حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه؛ كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم مساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد: فإن خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكان يقول: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)].

وهذا أخرجه مسلم في صحيحه، وآخره أخرجه الشيخان: (ومن ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي وإلي)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بشجاعة وحماسة حتى يجذب السامعين، (كان إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته كأنه منذر الجيش يقول: صبحكم ومساكم) فيؤثر في السامعين، ولاسيما خطبة الجمعة).

تحتاج إلى قوة وشجاعة وحماسة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فيؤثر في السامعين، ولا سيما خطبة الجمعة، وبعض الخطباء إذا خطب يخطب بصوت ضعيف، ويتماوت كأنه ميت، والخطبة تحتاج إلى قوة وشجاعة وحماسة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته، فيؤثر في السامعين، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم.

وكان يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين السبابة والوسطى)؛ لأنه نبي الساعة؛ ولأنه آخر الأنبياء، وأمته آخر الأمم، ولا نبي بعده، فهو نبي الساعة، ولهذا قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين السبابة والوسطى) يعني: لقرب الساعة؛ لأنه بعث في آخر الدنيا، وأمته آخر الأمم.

وكان إذا خطب يقول: (أما بعد)، فينبغي للخطيب أن يقول: أما بعد، وهي أولى وأحسن من قول: وبعد، فبعض الناس يقولون: وبعد.

وكان يقول: (فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، وكان يقول هذا في كل جمعة، فكتاب الله أحسن الحديث، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:٨٧]، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:١٢٢]، فلا أحسن من كلام الله، قال: (وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها) والأمور المحدثة هي: التي أحدثت في الدين مما ليس منه.

قال: (وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وفي رواية النسائي: (وكل ضلالة في النار)، وهذا فيه التحذير من البدع، وأن كل محدث في الدين فهو من البدع، وكل بدعة فهي من الضلال، وكل ضلالة فهي في النار.

وهذا أخرجه مسلم والنسائي.

وقال في نهاية الحديث: (وكان يقول: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)، وقد كان عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة يصلي على من عليه دين، ثم قدم إليه رجل ليصلي عليه فقال: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم عليه ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم)، فقال هذا للأحياء حتى لا يتساهلوا في الدين، (فقام رجل فقال: يا رسول الله! علي الديناران -أي: أنا أضمنه-، فقال: برئ الغريم؟ قال: نعم، فقام وصلى عليه عليه الصلاة والسلام عليه، ثم لما كان من الغد قال: ما فعل الديناران؟ قال: يا رسول الله! ما مات إلا بالأمس -يعني: ما مضى عليه إلا يوم- فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لقيه من الغد، فقال: ما فعل الديناران؟ قال: قضيتهما يا رسول الله، فقال: الآن بردت عليه جلدته)، وكان هذا في أول الأمر وأول الإسلام، ثم بعد ذلك لما وسع الله عليه صار يقضي الدين من عنده.

ولهذا يستحب لولاة الأمور قضاء الدين عن الميت إذا كان في بيت المال سعة، وكان الميت ليس له مال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك ديناً أو ضياعاً -يعني: أولاداً صغار- فعلي) يعني: على بيت المال، فبيت المال يقوم بكفالة الأيتام والصغار والعجزة، وينفق عليهم من بيت المال، وكذلك الدين يُقضى عن الميت من بيت المال إذا كان فيه سعة، قال: (ومن ترك مالاً فلورثته)، ومن لم يترك مالاً وإنما ترك ديناً أو ترك ضياعاً وأولاداً صغاراً فعلي وإلي، أي: فعلى بيت المال، يقوم بحاجاتهم وكفالتهم.

وقوله: (فعلي وإلي) أي: علي قضاء الدين، وإلي ضياعهم بكفالتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>