قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)].
هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه، وفيه أن الله سبحانه وتعالى منزه عن النوم، والنوم أخو الموت، وهو من العيوب التي ينزه عنها الرب سبحانه وتعالى كالموت والعماء والصمم والبكم والخرس.
قوله:(إن الله لا ينام ولا ينبغي له لا ينام) يعني: يستحيل عليه النوم، فلهذا أتى بكلمته:(إن الله لا ينام) يعني: لا يقع منه النوم، ولا ينبغي له النوم؛ لأن النوم أخو الموت، ولأنه من العيوب التي ينزه عنها الرب.
قوله:(يخفص القسط ويرفعه) أي: العدل، وفيه إثبات أنه يخفض ويرفع، وهذا من الصفات الفعلية، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل.
قوله:(حجابه النور)، احتجب عن خلقه سبحانه وتعالى بالنور، والنور حجاب مخلوق، وهو غير النور الذي هو اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، ولذلك قال:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور:٣٥].
قوله:(لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، قوله:(من خلقه) عام، وفيه دليل على أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا حتى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الحديث عام:(لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، والنبي صلى الله عليه وسلم من خلقه، وهو حجة جمهور القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وهذا أصح قول للعلماء، وقال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعيني رأسه، وهو قول مرجوح، والصواب أنه لم يره بعيني رأسه لهذا الحديث؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:(واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) رواه مسلم في صحيحه، وهذا عام يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره.
وما جاء من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه وما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم محمول أنه رآه بقلبه، وما جاء من النصوص والآثار على أنه لم يره محمول على أنه لم يره بعيني رأسه، وبهذا يجمع بين الأخبار كما قال أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والملائكة كذلك محجوبون عن رؤية الله، لا يرونه، فإذا سمعوا كلامه صعقوا وخروا لله سجداً ويكون أولهم وعلى رأسهم جبريل والملائكة وغيرهم.
روى الخلال في السنة آثاراً من أن الله احتجب من خلقه بنار ونور وظلمة وبرد وغير ذلك من الأشياء التي جاءت في بعض الآثار.