للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" ... ثم إن المعز بن باديس حمل جميع أهل إفريقية على التمسك بمذهب مالك، وترك ما عداها من المذاهب، فرجع أهل إفريقية وأهل الأندلس كلهم إلى مذهب مالك إلى اليوم رغبة فيما عند السلطان، وحرصاً على طلب الدنيا، إذ كان القضاء والإفتاء في جميع تلك المدن وسائر القرى لا يكون إلا لمن تسمى بالفقه على مذهب مالك, فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاواهم، ففشا هذا المذهب هناك فشوًا طبق تلك الأقطار, كما فشا مذهب أبي حنيفة ببلاد المشرق" (١).

وليس عهدنا ببعيد عما كانت عليه الدولة العثمانية والبلاد التي وراءها, من العصبية الشديدة لمذهب السادة الأحناف, وسوق الناس إلى مذهبهم بالترهيب قبل الترغيب, حتى حولت الخلافات السياسية إلى خلافات دينية, كما فعلت مع حنابلة الجزيرة مستعينة بمحمد علي باشا الألباني, وقادة الجيش الفرنسي والإنكليزي.

"وذكر الحافظ أبو الفدا إسماعيل بن كثير الدمشقي: أن الملك الأفضل ابن صلاح الدين (ت ٥٩٥هـ) كان قد عزم في السنة التي توفى فيها على إخراج الحنابلة من بلده، وأن يكتب إلى بقية إخوته بإخراجهم من البلاد" (٢).

(وذكر أيضاً أن المحدث عبد الغني المقدسي تعرض إلى مسألة صفات الله عز وجل في دمشق, فغضب عليه أتباع المذاهب الأخرى، فأمر الأمير صارم الدين برغش بنفيه من البلد، وأرسل الأسارى من القلعة فكسروا منبر الحنابلة، وتعطلت يومئذ صلاة الظهر في محراب الحنابلة (٣).

وفيهم قال الإمام أحمد بن رسلان الشافعي -المتوفى سنة ٨٤٤هـ وكان من أهل الرملة ردها الله وسائر بلاد المسلمين- في كتابه متن الزبد:


(١) "الخطط المقريزية" (٢/ ٣٣٣) , والمقريزي هو العالم المؤرخ السلفي الشيخ أحمد بن علي البعلبكي الأصل المتوفى سنة ٨٤٥هـ.
(٢) "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير الدمشقي (١٣/ ١٨).
(٣) "البداية والنهاية" (١٣/ ١٩) , والشيخ عبد الغني كان من كبار علماء الحديث والفقه, مقدسي الأصل, وعاش في دمشق, وتوفي سنة ٦٠٠هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>