للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(خوف الحكام من استمرار الاجتهاد، لما كانت تسببه اجتهادات بعض المجتهدين لهم من تشويش وإحراج وقلق.

يتضح جلياً بعد إمعان النظر في هذه الأسباب بأن مخاوف العلماء في استمرار الاجتهاد التقت مع رغبة الحكام والساسة على إغلاق باب الاجتهاد، وإن اختلفت المقاصد والأهداف.

متى انسد باب الاجتهاد

اختلف العلماء القائلون بسد باب الاجتهاد في تعيين وقت بدء إغلاق باب الاجتهاد, قال صاحب فواتح الرحموت بشرح مُسَلَّم الثبوت:

"ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي، واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب. وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة, حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء على الأمة. وهذا كله بعيد عن الحق, يجانب الدين, ولم يقل به أحد من أهل العلم من الأئمة, فضلاً عن خلوه من أي دليل, ولذلك لا يعبأ بكلامهم، وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم: أفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا، ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى" (١).

وقد خالفهم الحنابلة حيث قالوا بعدم جواز خلو العصر عن المجتهد, وهو قول الإمام أحمد في مقدمتهم ولذلك لم يؤلف أي كتاب في الفقه, بل اكتفى بتقديم الأجوبة على المسائل التي قدمت إليه, وهي التي وصلتنا, ووجدنا فيها الفقه الغزير المعتمد على الكتاب والسنة, واتباع من سبقه من أهل العلم.


(١) "فواتح الرحموت" (٢/ ٣٩٩ - ٤٠٠) , ويشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما, والذي رواه الأئمة أحمد, والبخاري, ومسلم, والترمذي, وابن ماجة, وغيرهم وانظر "صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) " تخريج الألباني, ترتيب زهير الشاويش برقم ١٨٥٤, بلفظ: "إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جُهالاً, فسئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>