للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم النظر إلى المجلات الخليعة دون قصد، وحكم ترديد الأغاني بدون موسيقى]

السؤال

يا شيخ! يدخل الإنسان منا في المحل ويجد أمامه المجلات التي تتربع في غلافها فتاة داعرة، وقد يبحث في تلك المجلات عن بعض المجلات الإسلامية أو غير ذلك، فما رأيك هل يجوز له؟ وما الحكم في ترديد الأغاني دون معازف، وقد قال البعض: إن التحريم إنما هو في المعازف فقط، وقد غنى أحد المطربين قصيدةً للإمام الشافعي وهي:

دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء

وليس فيها فرقة موسيقية ولا بعددٍ من الداعرات؟ أجاب على هذا السؤال الشيخ الدكتور عبد الله المصلح.

الجواب

بالنسبة للنظر إلى الوجوه الفاتنة سواءً أكانت تلك الصور الفاتنة صورة لنساءٍ تَرَاهن بنفسك، أو كانت تلك الصورة لامرأة تراها في تلفازٍ أو سينما أو صحيفة الكل يفعل في الإنسان فعل السحر، وقد تكون الصورة في التلفاز أو في السينما أو في المجلة أشد فتكاً؛ لأن هذه المرأة السيئة التي تلتقط لها الصورة يحاولون أن يلتقطوا لها الصورة بشكلٍ يجذب الانتباه، أو ما يسمونه بالانتباه القسري، بحيث تجد نفسك مضطراً إلا أن تنظر إليها، ثم هم يحاولون أن يخرجوا أفضل محاسنها إخراجاً هو أبدع مما تفعله النساء العاديات اللواتي قد تراهن في الأسواق أو في المحلات العامة.

إذاً: فالصورة التي توضع في المجلات إنما توضع بشكلٍ مدروسٍ لما يسمى بلفت الانتباه القسري حتى يجعل الإنسان منجذباً بحيث لا يشعر إليها، فهي في فتنتها قد تكون أشد من فتنة رؤية المرأة العادية، الكل فيه فتنة، والرسول عليه الصلاة والسلام قد أخبر وقال: (العين تزني وزناها النظر) والعجيب أن يثبت- أيها الإخوة الأحبة- عند العلماء المتخصصين في علم العين أن في العينين أكثر من خمسة ملايين خلية جنسية، وهي التي ترسل هذه الإشارات إلى هذه المراكز الموجودة في العقل من أجل أن تدغدغ فيها كوامن الشهوة، وتحرك مراكز الإثارة للإنسان حتى يسقط في أتون الجريمة، وكم رأينا رجلاً صار صريعاً لصورةٍ لم تكن امرأة أمامه وإنما هي صورةٌ قد يراها في مجلة، أو قد يراها في تلفاز، أو قد يراها في سينما.

وأعداؤنا يعلمون ذلك يقيناً، وأنا دائماً أذكر إخواني وأظن أن بعضكم قد سمع مني وأعلم أن الأكثر لم يسمعوا أنه في أواخر الحملة الأخيرة للحروب الصليبية، الفترة الأخيرة التي تسمى بأنها استعمرت فيها بلاد المسلمين تسمى استعماراً، هي كانت امتداد للحروب الصليبية، والآن هم في بلاد النصارى واليهود يقولون ذلك على وجه الوضوح والجلاء، يقولون: إن عملنا كان امتداداً للحروب الصليبية.

على أي حال -يا إخواني- لا أريد أن أطيل عليكم، فهناك فرقٌ بين الإجابة الفقهية والإجابة العامة، لكن دعوني أبصركم في هذه القضية تبصيراً ربما أفاد إن شاء الله تعالى.

أقول أيها الأحبة: في الحملة الأخيرة التي جاء فيها النصارى إلى بلاد المسلمين وسميت بمرحلة الاستعمار، الذي احتل سواحل الشام قائدٌ شهيرٌ معروف اسمه الجنرال: غوغو، هذا الجنرال -يا أحبتي- لما وصل إلى سواحل الشام جاء ببوارج ضخمة مليئة بالأسلحة وبالمدمرات وبما يأتي به المحارب ولا غرابة فهذه مهمته، ما جاء من أجل أن يستريح أو يتنزه وإنما جاء ليقاتل، لكن الغريب أنه جاء معه ببارجة مليئةٍ بمومسات، فسألوه: يا غوغو! أنت جئت من أجل أن تتاجر بالرقيق الأبيض أم جئت من أجل أن تحارب؟ فقال: مساكين أنتم لا تعرفون حقيقة هذه الأمة، إن تجربة مئات السنين وخاصةً تجربة لويس التاسع الذي انهزم في المنصورة سنة ١٢٥٤م أثبتت لنا على طول السنين أن هذه الأمة الإسلامية -وهم يسموننا بالأمة المحمدية- هذه الأمة تفعل فيها المرأة والخمرة أعظم مما تفعله الجيوش الجرارة.

إذاً: هم يعرفون هذا الأمر وكأنهم يعلمون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنةً هي أشد عليهم من النساء) لهذا يحدثني بعض إخوة لي عندما أزور هذه البلاد الكافرة لإلقاء بعض المحاضرات على طلابنا يقول لي: والله إني لأعجب وأرى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يأتي الطلبة من بلاد المسلمين -طبعاً الطلبة الفساق، الطلبة الفجار- عندما يصلون إلى بلاد الكفار أول شيءٍ يبحثون عنه هو ما يسمونه بالصديقة -الداعرة- أو يقولون لها: (الجير فرند) -يعني الصديقة- يعني: أول ما يبحث عن فتنته وهي المرأة، بينما إذا جاء اليهود أول ما ينزل إلى سوق المال يبدأ يتاجر؛ لأن فتنة بني إسرائيل في المال فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المهم يا إخوتي! أنا سمعت كلاماً لطيفاً جيداً جميلاً لأخي سعيد في هذا الباب أنه المفروض فيه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يصرف نظره، لكن بعض الناس يصاب بالغباء فيقول: والله بما أني أجد في المكتبات صوراً، إذاً لا أذهب إلى المكتبة -كثر الله خيرك- هذا النوع من الغباء أريد أن يرقى عليه الإنسان، وأن لا يقع فيه، أخي! ادخل المكتبة وفتش عن المجلة التي تريدها أو عن الكتاب الذي تريده، واصرف نظرك بقدر الإمكان، وإياك أن تقول: والله بمجرد أن رأيت صوراً في مكتبة إذاً أنا لا أذهب إليها وأقاطعها، أقول: لا.

اذهب وابحث عن المجلة التي تريدها وعن الكتاب الذي تريده، حتى لو كنت قد رأيت شيئاً من الفتن والمحن ونحن نعد ذلك باباً من أبواب الفتنة لك ليرى الله مدى صدقك واحتسابك وصبرك وتحملك، ولو لم يكن ذلك كذلك لما شرعت الدعوة في بلاد الكفار، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى سوق عكاظ من أجل أن يقول كلمة الحق في وسط هؤلاء المشركين، وكان يرى صور الباطل عن يمينه ويساره.

وبالمناسبة كان في قريش من السقوط في الأخلاق ما لا يتصوره عقل، وكانت العرب تمارس صوراً من السقوط في الأخلاق تمنيت لو أن أخي سعيداً عرض لكم هذا الأمر، لقد كانت البغايا يضعن لهن أعلاماً في وسط مكة ويأتيهن الناس، هكذا كان الأمر، ليست المسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في مجتمعٍ نقيٍ فكان لا يتعامل إلا مع النقاء والصفاء، كان يجد أمامه عوائق وشدائد ومصائب، ولكن المؤمن يصبر على ذلك كله ويرمي به جانباً ويتكل على الله ويأخذ ما ينفع.

هناك فرق بين كلمة: أغاني وكلمة: أناشيد، ارتسم في أذهاننا أن كل صوتٍ محسنٍ فهو غناء، الحقيقة لا يا إخوان؛ لأن كلمة إنشاد حتى في مدلولها اللغوي: هي عبارة عن إلقاءٍ للشعر بغير الشكل العادي، يعني لابد أن يكون مرنماً، كان لي شيخٌ اسمه الشيخ: فهد بن حمين أسأل الله أن يمد في عمره وقد درَّسنا في الرياض، كان يدرسنا العقيدة وفي بعض الأحيان كان يدرسنا الفقه، هذا الشيخ إذا ترنم بقصائد ابن القيم لا تكاد تسمع أجمل من صوته ولا أحلى من إلقائه، أنا أجد لذةً كبيرة في استماعي للشيخ عبد الرحمن الحماد عندما يقرأ علينا وخاصةً عندما يلقي علينا بعض القصائد ولا يقرؤها قراءة مسرودة، يقرؤها قراءةً بنغمةٍ أنتم تعرفونها، تلك النغمة النجدية الجميلة، فمن قال: إن ذلك حرامٌ؟! فإذاً إذا قال إنسانٌ شيئاً من الشعر وترنم به فلا بأس في ذلك أبداً، وإنما يصبح حراماً في حالةٍ من الحالات التالية: أولاً: أن يكون صوت امرأةٍ عند رجال، أو أن يكون صوت رجلٍ مؤثرٍ يخشى من صوته عند النساء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أنجشة بعد أن ترنم بصوته يحدو الإبل قال: (يا أنجشة رويدك بالقوارير) أنت زودتها قليلاً، هنا قف، يعني: لما زادت المسألة قال له: قف، لكنه في الأصل غير محرم، سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدو يقول الشعر يترنم به والإبل تتحرك؛ لأنه يعجبها أن تسمع الحداء وهو الشعر الذي فيه شيءٌ من الترنيم.

ثانياً: أن يكون مدحاً مبالغاً فيه أخرج الإنسان عن إنسانيته وأعطاه أوصافاً لا تليق إلا بالله عز وجل، كمثل قول ابن هانئ قبحه الله:

فاحكم فأنت الواحد القهار

يعني: على أية حال ما أريد أقول لكم أبياته كاملةً هو يقولها لرجل من الإسماعيلية الكفرة الباطنية الذين حكموا مصر يوماً من الأيام، فمثل هذا الكلام لا يجوز.

ثالثاً: أن يكون فيه شيءٌ من الذم المقذع، الذم الذي يتساقط فيه الإنسان، ووصف الناس وصفاً جرحهم فيه، ولهذا عمر رضي الله عنه لما جاءه الحطيئة قال له: يا حطيئة! دع الشعر، قال: يا أمير المؤمنين إذاً يموت أولادي، من أين أحصل على عيش غيره، قال: [إذا كان ولابد فاعلاً فدع المقذع منه] لا تتكلم ولا تسب سباً مقذعاً، هذه في قصة الزبرقان مع الحطيئة المشهورة، فقال له عمر رضي الله عنه: [دع المقذع منه، قال: وما المقذع يا أمير المؤمنين؟! قال: أن تقول: آل فلان خير من آل فلان وآل فلان أسوأ من آل فلان، قال: والله لأنت أهجى مني يا أمير المؤمنين!] وعند ذلك ساومه عمر رضي الله عنه واشترى منه أعراض المسلمين.

على أي حال أقول يا إخوتي! أما الصوت المجرد الذي يقوله الإنسان يترنم فيه ببيتٍ من الشعر، أو حتى يكون مجموعة يقولون أبياتاً من الشعر كبعض الأناشيد التي تلقى في المحافل وفي المنتديات تفعلها بعض المؤسسات التعليمية، أقول: لا بأس في ذلك إن شاء الله، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>