مسألة النميمة ينبغي أن ننتبه منها، فإنها -أيها الإخوة- بضاعة الناس في هذا الزمن خصوصاً الطيبون، وطلبة العلم المشتغلون بكتب العلم والحديث يعني: استطاع الشيطان أن يبيع عليهم هذه السلعة، لما يئس منهم أن يبيع عليهم الأغاني، أو النظر الحرام إلى النساء، أو النظر إلى الأفلام، أو الكذب، باع عليهم سلعة وهي سلعة الغيبة والنميمة؛ لأن الشيطان عنده بضائع كثيرة وقد وزعها، وزع كل صنف على ما يناسبه، وقد ذكرها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، ذكر كثيراً من هذه الأصناف ومن ضمنها قال: إنه باع الكيد على النساء؛ لأن النساء يقول الله فيهن:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف:٢٨] كيد المرأة أعظم من كيد الرجل، وأعظم من كيد الشيطان الذي سماه الله فقال:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}[النساء:٧٦] ولكن كيد المرأة عظيم جداً، كيدها ومكرها وحقدها كبير جداً جداً، وباع الكبر والغطرسة والخيلاء على المسئولين، ينفخ فيهم بالكبرياء، وباع الكذب على أهل الحرف، أي: الصناعين، لا يوجد صنايعي صادق إلا من شاء الله، لابد أن يكذب سواء كهربائي أو نجار أو حداد أو سباك، أي عمل تطلبه منه يعرف أنه لا يستغرق أكثر من أسبوعين.
كما قيل: إن أحد السلف ذهب بنعله إلى إسكافي -يعني: صانع الأحذية- فوضعها عنده وأهملها وكان يعمل غيرها لكثرة عمله، وكان كلما شاهد الشيخ أخذ الحذاء ووضعها في الماء من أجل أن تتنقع يضع المسامير، فإذا ذهب الشيخ ردها، جاء مرة ثانية وثالثة ورابعة ثم جاء في يوم من الأيام فقال: يا أخي! إنما أعطيتك حذائي لتصلحه لا لتعلمه السباحة كلما أتيتك وضعته في الماء.
فالكذب سلعة ووظيفة باعها الشيطان على أهل الحرف إلا ما شاء الله عز وجل.
وأيضاً باع الغيبة والنميمة كما يقول الغزالي على طلبة العلم، ما في مجلسهم إلا فلان ماذا قال، وخاصة لحوم العلماء، يأكلون فيها أكلاً بشراهة، وهذه مصيبة جداً؛ لأن أحد السلف يقول: إياكم ولحوم العلماء فإن لحومهم مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، لا يوجد شخص استحل أعراض العلماء إلا دمره الله عز وجل في الدنيا والآخرة، ويذكر العلماء قصصاً كثيرة عن أناس كانوا فاكهتهم لحوم العلماء، يتصيدون عثرات العلماء، العلماء بشر، ليسوا بمعصومين، يقع منهم ما يقع من البشر يخطئون ويصيبون ولكن هم واجهة الدين، هم شعار الإسلام هم الممثلون لهذا الدين، فإذا أخذوا في أعراضهم والنيل منهم وأسقط من عرضهم، وتتبعت عثراتهم، وشوهت صورهم، وزعزعت مكانتهم في قلوب الناس زعزع الدين، فإذا زعزعت مكانتهم فمن يمثل الدين؟ المغنون والمطربون؟! لا يوجد ممثل للدين إلا العالم، والعالم بشر لا ندعي فيه العصمة ولا نعذره في الخطأ ولكن نستغفر الله له ونطلب منه أن يأخذ سبب الحيطة، لكن إذا وقع منه خطأ، نشهر به، ونتكلم عنه في كل مجلس؟! لا يجوز له حصانة اسمها الحصانة الدينية، حصانة إيمانية، لا ينبغي أن يدور على لسانك اسم عالم، الناس اليوم يتفكهون بلحوم العلماء، بل يقلدون أصواتهم وخطبهم وأصوات الأئمة ويقلدون أصوات بعض المؤذنين، ويقف أحدهم في المجلس كأنه يخطب على لسان أحد الناس، وأولئك يضحكون ويقهقهون، ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم.
فعلى المسلم طالب العلم الموفق المهتدي أن ينتبه لهذا الأمر، وألا يدور على لسانه أي كلمة من كلمات الغيبة والنميمة وإذا وقع منه شيءٌ فليستغفر الله وليتب إلى الله عز وجل.