مما ينبغي لك يا عبد الله! ألا تسبب لنفسك مشكلة بكثرة التوسع في الديون، على أمل أنك إذا مت يقضى عنك، إذا أنت لم تراع نفسك فلن يراعيك الناس؛ لأن من الناس من هو متهور في تصرفاته، يخبط باليمين وباليسار، ولا يدع مشكلة إلا ويدخل فيها ويتوسع على غير إمكانياته، حتى يوقع نفسه فيعيش طوال حياته مديوناً، ويوقع من بعده في قضاء الديون، ويوقع نفسه هو في الحبس في القبر عن النعيم، والعيش في العذاب بسبب الديون، وكان في إمكانه لو كان عاقلاً وحكيماً أن يعيش في اعتدال وتدبير بحيث يتوسع وفق الإمكانيات، لا يتوسع أكثر مما معه، إذا كان عنده إمكانيات والله وسع عليه، فلا مانع من التوسع في الحلال {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:٣٢] .
ليس من حقك أن تستدين على حساب غيرك، فهذا لا ينبغي، ولهذا جاء في الحديث أن من ضمن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم:(عائل مستكبر) .
أي: فقير ويتكبر بحق الناس، ودائماً لا تراه إلا يتوسع في كل شيء، السيارات كل سنة يقوم بتغييرها، والبيت يغيره كل سنة، الموكيت من الدرج إلى الحمامات، وكذلك المجلس يغير فراشه الوثير، ويغير ذهب المرأة، يبيع الأول ويشتري بدلاً منه بزيادة أموال يدفعها من أجل أن تقول: الله يطيل في عمرك يا أبا فلان! وتظل تنفخه بهذه الدعاوي الكاذبة، من أجل أن توقعه في الديون، وإذا ذهب إلى القبر قالت: الله يلهب عظامك، من الذي قال لك تفعل كذا، وهو الذي كان يضعها في موكيتات وثلاجات وذهب وملابس، لكن لما مات ما اهتمت به؛ لأنه لم يرحم نفسه حتى ترحمه امرأته، وما رباها على الإيمان والدين، ولا ربها على الاقتصاد والتدبير، وإنما ربها على التصرف الغير لائق.
وبعد ذلك ليس عنده شيء، ماذا يفعل يذهب ويستدين، إما أن يستقرض من البنوك بأرباح ربوية فيهلك نفسه في الدنيا والآخرة، وأما أن يذهب فيأخذ له ألف كيس أرز، سعر الكيس الأرز مائة وخمسون ريالاً، ويبيع الكيس بمائة ريال، يعني: اشترى ألفاً بمائة وخمسين ألفاً سجلت كديون عليه، وباعها بمائة ألف، وأخذ مائة ألف ريال في يده، وقال: يا شيخ! الآن نتصرف وكل شيء يهون والقضاء من الرواتب، وصار مديوناً بمائة وخمسين ألفاً، يرهن فيها بيته أو مزرعته وبعضهم -والعياذ بالله- لو جاز أن يرهن أولاده لرهنهم، ويأخذ المائة ويذهب يشتري بها سيارة، قال: والله أنا أريد (جمس) من أجل أن يوسع على عياله، يتوسعون لا مانع لو كان عندك شيء، لكن لماذا توسع على العيال وتصبح مديوناً، امش على رجلك، صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك.
بعضهم يستدين ليأخذ أهله في عطلة الربيع، شخص قال لي: إنه ذهب في عطلة الربيع وخسر في جدة أكثر من خمسة وعشرين ألفاً، أخذ بيتاً لوحده، أجرته باليوم ألف ريال، استأجرها مدة أربعة عشر يوماً بأربعة عشر ألفاً، على شاطئ البحر يقول: من أجل الأولاد يفرحون، قلت: من أين الأموال؟ قال: والله دين أتينا بها من هنا ومن هنا ويفرجها ربك، أربعة عشر ألفاً، وأحد عشر ألفاً هذه قيمة الأكل، بعض الليالي لا يتعشى هو وعياله إلا بخمسمائة (طلب خاص) وهو جالس بالشقة، يتصل بأرقى المطاعم، يقول: هاتوا لنا عشاء، متى؟ الساعة الثانية عشر ليلاً، يتعشى وبعد العشاء ينامون إلى الظهر، فلا يصلون الفجر ولا الظهر ولا العصر، وليس معهم شيء.
راتبه في المرتبة الثامنة، أظن راتبه ستة أو سبعة آلاف ريال، لا تعمل له شيئاً، وبعد ذلك البيت الذي يسكنه ليس له وإنما بالإيجار، والديون وراء ظهره.
هذا -يا إخواني- سفيه، إي نعم.
سفيه في تصرفه وفي طريقة حياته، لا توقع نفسك في الدين، مد أرجلك على قدر فراشك، إن كان فراشك طويلاً فتمدد، وإن كان فراشك قصيراً فتكفكف؛ لأنك إذا مددتها بردت، أو تأتي عقرب فتلسعها، أو يأتي ثعبان يلتقمها، فالإنسان يبقى مستوراً في دائرة دخله، وإذا منّ الله عليك بالرزق ووسع عليك تبني لعيالك بيتاً واسعاً، لا مانع من هذا، وتفرش فراشاً طيباً من الحلال لا مانع، بدون ديون، المهم الدين، نم وأنت ليس عليك دين، والله لو نمت في عريش، ولو لبست كيساً، وخرقت له من يدك ورجلك ورقبتك، والله لا أحد يقول لك شيئاً، وعلى ذلك تنام وأنت آمن قرير العين، ولو مشيت حافياً، لكن لو تمشي في سيارتك، وتسكن في فلة وملابس وأنت مديون ملاحق ما الفائدة؟ بعض الناس لا يفصل الثوب إلا بستمائة أو بسبعمائة، والحذاء يشتريه بثلاثمائة (إيطالي) بإمكانه أن يأخذ بالثلاثمائة عشرة أنواع من الأحذية تكفيه إلى أن يموت، لكن سوء التدبير -والعياذ بالله- يوقع الناس في مثل هذه المعضلات، فيهلكون أنفسهم في الدنيا، ويثقلون على أولادهم بعد موتهم، ويحرمون أنفسهم من نعيم الجنة، ويوقعون أنفسهم في عذاب النار بسبب هذه التصرفات الغير مسئولة، والغير معقولة ولا مقبولة.