إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفيه وخليله صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: ما أعظم نعمه! وما أكثر مننه! وما أجل آلائه! فله الحمد بكل نعمةٍ أنعم بها علينا من قديمٍ أو حديثٍ أو شاهدٍ أو غائبٍ أو حيٍ أو ميت، اللهم لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأمن في الأوطان، ولك الحمد بالعافية في الأبدان، ولك الحمد بالأرزاق جلبتها لنا رغداً من كل مكان، لك الحمد بكل النعم، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول والحديث في السنن:(اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر) .
المتأمل في النعم التي تترادف على الإنسان يرى أن فضل الله عليه كبير، وكان فضل الله عليك كبيراً:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:٥٣]{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[النحل:١٨]{إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:٣٤] نعمٌ.
لا نستطيع لها حداً، ولا نستطيع لها عداً، نعمٌ كثيرة أهمها وأعظمها وأجلها نعمة الإيمان التي امتن الله بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}[الشرح:١] شرح الصدر كما يعبر عنه العلماء هو: عملية الانفتاح القلبي على الدين، أي: ينفتح قلبك وتنشرح أساريرك وتقبل بكلك وجميع إمكانياتك على الله، فتستسلم بين يدي الله، وتخضع لكل أوامر الله، ثم لا ترفع رأسك أبداً من أي أمر، ولا تتردد في تنفيذ أي طلب، ولا تستطيع أن تقدم على أي نهي؛ لأن الله شرح صدرك، وضد الانشراح الانغلاق، أن يغلق قلب الإنسان ضد الدين وينفتح على الشر، فيتقبل كل باطل، ويثقل عليه كل حق، ويحب كل شر، ويكره كل خير، يكره المساجد، يكره القرآن، يكره الصلاة، يكره العلماء، يكره مجالس الذكر، يكره الخير في كل صوره وأشكاله، ويحب أضدادها، هذا -والعياذ بالله- منغلقٌ قلبه، مقفول منكوس، والمنكوس لا حيلة فيه، لو أتيت بما في الأرض من ماء وأردت أن تصبه في إناءٍ منكوس لما دخل فيه قطرة واحدة؛ لأنه مقلوب ليس عنده قابلية للاستيعاب.
أما الذي شرح الله صدره ونوَّر قلبه فهذا يعيش على نورٍ من الله عز وجل، يقول الله عز وجل:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزمر:٢٢] ضلال واضح لا غبش فيه، ضلال هائل ضخم جداً؛ لأن الله عز وجل شرح صدورهم ورفضوا إلا أن يسيروا في الخط المعاكس؛ فقست قلوبهم عن ذكر الله وعن دينه، فتوعدهم الله بويل:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر:٢٢] .