للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثمرة صدق الثلاثة الذين خلفوا]

أعظم من هذا ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه في قصة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك: كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وقد أردت أن آتي بها في هذه الليلة كاملة من صحيح البخاري، ولكني آثرت أن أترك لها ليلة كاملة، لأنها قصة مشوقة، قصة -أيها الإخوة- تصلح أن تكون منهج حياة للإنسان في هذه الدنيا، حينما يوازن ويقارن بين الدنيا والآخرة.

فهم ثلاثة صدقوا ونالهم من الضيق والشدة ما لا تتحمله الجبال، ضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وهجرهم الصحابة، وأمروا بالابتعاد عن نسائهم، كان كعب بن مالك يدخل إلى حائط ابن عمه أبي قتادة، فيقول له: السلام عليكم، فلا يرد عليه السلام، فيقول: أسألك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله، فيقول: الله ورسوله أعلم، ويأتي ويصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فإذا نظرت في الرسول صرف نظره عني، فإذا جلست أُصلي سارقني النظر، يقول: ثم أسلم عليه فلا أدري أرد علي السلام أم لا، من غضبة عليَّ شيء عظيم لا يمكن أبداً أن يتعرض له إنسان في الدنيا نتيجة الصدق، ولكن ماذا كانت الثمرة؟ كانت الثمرة أن أنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في توبتهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة:١١٨] والقصة بكاملها سوف آتي بها إن شاء الله في الأسبوع القادم، لتكون لنا منهج حياة نسير عليه في هذه الدنيا، فنصدق أولاً مع الله فلا نكذب، ونصدق مع أنفسنا ومع الناس، ويكون لنا وجه واحد فقط، وما نخفيه هو ما نظهره، فلا نتأول، وإنما نكون واضحين.

نقول الحق والصدق ولو كان مراً، نقوله ولو على أنفسنا، هذا الخلق خلق الصدق -أيها الإخوة- خلق أصيل في المسلمين، وهو أيضاً موجود عند كل العقلاء في الأرض، الذين جربوه، حتى الكفار، ونحن لا نأخذ القدوة منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>