للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جزاء الاعتصام بكتاب الله وعاقبة العمى عنه]

يقول الله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١] هذه دلائل واضحة، لكن هذه الدلالات من يستفيد منها؟ أهل الأبصار والعيون، أما الأعمى يقول الله عز وجل فيه: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:١٢٤-١٢٥]-والعياذ بالله- {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} [فصلت:٤٤] أي: مخرقة لا يسمعون {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:٤٤] نعوذ بالله أن يكون علينا القرآن عمى {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ} [الأنعام:١٠٤] الذي يفتح عينيه على الله، وعلى كتاب الله، وقلبه لدين الله، وتوجه إلى الله {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} [الأنعام:١٠٤] أنت لا تعمل للجماد ولا للقبيلة، وإنما تعمل لنفسك، وإذا عييت قال: {وَمَنْ عَمِيَ} [الأنعام:١٠٤] لم يبصر الطريق؛ لأنه كلما قيل له اسلك الطريق المستقيم قال: لا.

لا يريد الله، لا يريد طريق الله عز وجل، قال: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام:١٠٤] دعه أعمى، ومن عاش في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى، لا تتصور أنك تعيش هنا أعمى عن الدين وأن الله يفتح بصرك عليه يوم القيامة؟ لا.

افتح بصرك وبصيرتك هنا على دين الله، يفتح الله بصرك وبصيرتك في الجنة إن شاء الله.

أما أن تتعامى هنا عن الله، وتتجاهل دين الله، وتمشي على طريق الشيطان، تنظر وتسمع وتأكل وتسير في الحرام، وتبطش وتزني كل ذلك بالحرام، وتتقاعس عن الطاعات، وترفض دين الله، وبعد ذلك تريد من الله عز وجل أن يقول لك يوم القيامة: عفوت عنك، لا.

كن كما يريد الله هنا يكون الله لك كما تريد هناك، كن كما لا يريد الله هنا يكون الله لك يوم القيامة كما لا تريد، والجزاء من جنس العمل، والله يكيل لك يوم القيامة بمكيالك هنا، إن وفيت يوفي لك، وإن طففت فما في الآخرة إلا ويل {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:١] هذه الآية عامة، في المطففين في الماديات والمعنويات، الذي يطفف في المكيال مادياً -أيضاً- هذا يطفف عليه، والذي يطفف في مكياله في العمل الصالح -أيضاً- يطفف عليه، قال عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام:١٠٤] .

الحافظ لأعمالكم المسجل لخطراتكم هو الله، لستم بمفلوتين، وإنما كل شيء يحصى عليكم ويسجل، حتى الخردلة من العمل {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] حتى مثاقيل الذر يجزي بها، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧-٨] .

فلا تحسبن -يا أخي- أنك متروك، ولكنك محفوظ ومسجل، فإن حفظت حفظك الله، وإن ضيعت ضعت في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله وإياكم من الضياع والضلال.

ما زال الكلام متصلاً حول أسباب عذاب القبر، وقد ذكرنا في الماضي في عشر حلقات الأسباب التي ثبتت الأدلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تسبب لصاحبها والواقعِ فيها عذابَ القبر، أي: الفترة البرزخية الواقعة ما بين الموت إلى البعث، هذه فترة لا يعلمها إلا الله، لا نستطيع أن نتحكم فيها، ولا يقدِّر عددها إلا الله عز وجل فهو يعلمها، والناس في قبورهم إما أن يعذبوا وإما أن ينعموا، فالذين يعذبون هم الذين وقعوا في شيء من هذه الكبائر التي ذكرناها، مثل: عدم التنزه من البول، والنميمة، والربا، والزنا، والكذب، وغيرها من الجرائم التي وردت الأدلة أنها تورد الإنسان العذاب ومثل: الذي ينام عن القرآن، والصلاة المكتوبة ويهجر القرآن، هؤلاء يعذبون في قبورهم إلى أن يقوموا من قبورهم، ويكمل لهم العذاب -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- وأيضاً هناك أناس ينجيهم الله من العذاب بأسباب تنجي من عذاب القبر، بمجرد ما يتمسك بهذه الأسباب يأتي القبر آمناً، إذا اجتنب الأسباب المعذبة وأتى بالأسباب المنجية، فإنه في قبره في روضة من رياض الجنة.

ولهذا مر علي رضي الله عنه على المقابر فقال: [إن ظاهرها تراب، وباطنها حسرات أو عذاب] وكان يقول: [يا أهل المقابر! السلام عليكم دار قوم مؤمنين -وبعدما يسلم يقول لهم:- أما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما النساء فقد تزوجت، هذه أخبارنا فما أخباركم] يقول: ليس عندنا جديد، ماذا في الدنيا من جديد؟ إذا مات الشخص ماذا يحدث لماله؟ القسمة، ولبيته؟ السكن، وزوجته أن تتزوج، هذه الأخبار الجديدة، ليس هناك جديد عليها، يقول: هل عندكم من جديد؟ ثم يسكت ويجيب عليهم ويقول: [أما والله لو تركوا -يعني: لو أرادوا أن يتكلموا وتركت لهم فرصة للكلام- لقالوا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧]] لا تتزودوا بالمال، فالمال إذا كان من الحرام كان زاداً إلى النار -والعياذ بالله- تزودوا من طاعة الله تبارك وتعالى، فإن خير الزاد التقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>