عن سعد بن الأطول رضي الله عنه (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهماً، وترك عيالاً - يعني: أبناء- قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضِ عنه) لا تشتغل بالحي، الحي إذا جاع خرج إلى السوق وقال: أعطوني، لكن الميت من يمنعه هناك من العذاب، من يكشف قبره ويقول: خذ هذه الحسنة؟!! وبعد ذلك عذاب القبر لا أحداً يصبر عليه، لو حبسك إنسان في غرفة وأعطاك أكلاً وشراباً وطعاماً وغيرها وأنت محبوس في غرفة لضقت، فكيف بك وأنت محبوس في حفرة مظلمة محددة، أطوالها بحجمك تماماً، وإذا قيل: وسعوا له؟ قالوا: ليس معه إلا عمله، وصدقوا.
والله لو وضعوه في غرفة لا يوسع عليك إلا عملك الصالح.
وبعد ذلك فوق هذا عذاب، إذا كنت باراً بأبيك أو أخيك أو قريبك فأول شيء تفكر فيه بعد موته ديونه، اسأل، اعلن، اتصل بمن تعرف أنه يتعامل معهم، هل عليه لهم دين إما أن يسامحه، أو تتحمله، أو تقضيه إذا كان هناك شيء موجود، المهم أن تسارع في قضاء دينه.
قال:(فاقض عنه، قال: فذهبت فقضيت عنه ثم جئت، وقلت: يا رسول الله! قد قضيت عنه إلا دينارين، ادعتهما امرأة) يقول: كل شيء قضيته إلا دينارين ادعت امرأة أن الدينارين عنده ديناً لها.
قال:(وليست لها بينة) لم تأت بدليل ولا بينة من كتاب أو شهود، على أن لها هذين الدينارين.
فقال صلى الله عليه وسلم:(أعطها فإنها صادقة) صلوات الله وسلامه عليه، تزكية الرسول لها بناء على الوحي، أوحي إليه بأنها صادقة في دعواها، ولهذا قال: أعطها.
وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن نفس المؤمن معلقة بدينه) .
ولكن بم يفسر هذا الحبس؟ ما نوع الحبس في القبر؟ يفسره الحديث الآخر الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين، هذا الحديث يرويه سمرة بن جندب، قال:(إن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازة، فلما انصرف قال: أهاهنا من آل فلان أحد؟ فسكت القوم) ، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا، لم يكونوا مستعجلين، أن هذا رسول نبي، لا يتكلم الواحد منهم بكلمة إلا وقد وثق منها.
(فسكت القوم، فقال ذلك ثلاث مرات، هل هنا من آل فلان أحد؟ -لم يتكلم أحد- فقام رجل فقال: هأنذا، فقام يجر إزاره من مؤخرة الناس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟ -سألت مرتين ولم تجب، لماذا لم تجب إلا في الثالثة؟ - أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، ثم قال: إن فلاناً -وهو رجل من أقارب هذا الرجل، من الأسرة، من آل فلان- مأسور بدينه عن الجنة -محبوس عن النعيم في القبر وعن الجنة بسبب دينه- فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله) لأنه لا يوجد في القبر إلا نعيم أو عذاب، فهذا الدين حجبه وحجزه وحبسه عن نعيم الله والجنة، وبالتالي ماذا يصير له؟ لا يجلس بين الدارين، لا يوجد في الآخرة إلا دار في الجنة أو دار في النار، فأسلموه إلى عذاب الله، قال الرواي سمرة:(فلو رأيت أهله وهم يتحرون أمره؛ قاموا فقضوا عنه حتى لا يطلبه أحد بشيء) .