للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكذب ندامة في الدنيا والآخرة]

ينبغي للمسلم أن تكون نظرته دائماً أبعد من هذه الحياة، فلا يكون محدود النظرة، لا ينظر إلا إلى قدمه وإلى مصلحته، وإلى وظيفته وإلى راتبه، بل انظر إلى ما بعد هذه الحياة، واعمل لما بعد هذه الحياة، حتى تكون ممن ينجو يوم القيامة.

لأن من الموظفين من يكذب على مديره مثلاً، فقد يأتي شخص إلى المدير يريد أن يستأذن من الدوام ثم يستحي أو يخجل، فيهرب من الدوام، ثم يذهب ليراجع في إدارة، أو يذهب إلى السوق ليشتري بعض الأشياء، فيبحث عنه مديره: أين فلان، فيقال: لا ندري.

وأخيراً بعد ساعة يرجع، فيقال له: أين أنت يا أخي؟ فيقول: أنا كنت في الأرشيف في مكتبي.

حسناً كان في الأرشيف، فيأخذها المدير ويسكت، ويذهب المدير في الليل ليسمر مع زملاء له، فيدور حديث عارض من غير قصد، وإذا بشخص من الجالسين رأى هذا الموظف في الصباح وهو يراجع في البلدية، في نفس تلك الساعة، فيقول للمدير: فلان يشتغل عندكم؟ فيقول: نعم.

فيقول: والله اليوم جاءنا في البلدية كان لديه معاملة، وطلب منا أن نساعده، فيقول المدير: أتاكم اليوم، فيقول: نعم.

فيقول: متى؟ فيقول: الساعة التاسعة والنصف، فيقول المدير: عجيب والله، خير إن شاء الله.

فيأتي المدير في اليوم الثاني ويطلب هذا الموظف فيقول: يا أخي أين كنت بالأمس عندما بحثنا عنك؟ فيقول: قلت لك: إني في الأرشيف، فيقول له: أكيد؟ فيقول: والله الذي لا إله إلا هو -لأن من كذب حلف فيكذب ولا يهمه لأنه يريد أن يبرر موقفه، يريد أن يظهر الصدق ونسي الجريمة وعظمها عند الله عز وجل- فيقول له المدير: (يا ابن الحلال عدِّل بدِّل) ربما كنت في مكان آخر، فيقول: يعني أكذب عليك أنا، فيقول المدير: والبلدية التي كنت تراجع فيها بالأمس! فيقول: الله من الذي قال لك؟! -انتهى الأمر لم يعد يستطيع أن يكذب- الله أكبر على الناس! الكذب ليس بحسن يا مدير، والله أنا استحيت أن أستأذن منك فاسترقت وعدت، فيقول المدير: استحيت مني تخدعني وتكذب عليَّ! تحلف بالله فاجراً! تظنني مغفلاً! لماذا لم تكن شجاعاً؟ لماذا لم تكن مؤدباًَ؟ لماذا لم تكن صادقاً؟ ليس هناك مانع من خروجك، ولكن خروجك بدون إذن خطأ، لأنك تأخذ وقتاً يحرم عليك أن تقضيه في أغراضك الشخصية إلا بإذن مني وأنا صاحب الصلاحية، لمَ لم تستأذن مني؟ إذاً ذهابك هذا حرام، لكن عندما وقعت في الحرام وخرجت وأتيت وكذبت وهو حرام، ولما تأكدت منك حلفت عليَّ حراماً.

كم صارت الجرائم إذاً؟ ثلاث، وكان بإمكان هذا الموظف أن يجعلها لا شيء، لكن من لم يراقب الله عز وجل يندم في الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>