[وجوب الاحتراز من الوقوع في الدين]
أنت الآن رجل، وكلكم بفضل الله شباب، ومن تجاوز مرحلة الشباب يجب أن يستفيد من هذه التجارب، ليس ضرورياً كلما استلمت راتبك ذهبت وقلت: سوف أتعشى هذه الليلة في أسفل العقبة، أريد أن أتعشى تيساً حنيذاً بأربعمائة أو خمسمائة، لماذا؟ لماذا تتعشى بثلاثمائة أو أربعمائة في المطعم؟ لماذا تتعشى أنت وزملاؤك بستمائة أو بسبعمائة؟ لماذا لا تأخذ التيس بثلاثمائة؟ من السوق وتذهب به إلى أهلك وتضعه في ثلاجتك يأكلون منه شهراً، ويدعون لك، أما أن تأكل أنت والناس وهي وجبة، وتضع فيها تيساً فلا.
ولكن ضع علبة عصير وحلوى بنصف ريال وانتهى، والتيس الذي أكلته سيخرج، ولكن بصعوبة، كما يقول ابن القيم رحمه الله: كلما أكلت طعاماً بسعر مرتفع يكون الخراج خسيساً، لا.
بل استفد من التجارب، وحاول أن تقتصد في إنفاقك، ولا تتصرف ولا تنفق ريالاً إلا في الوجه الشرعي.
باختصار: وفر، وبعد ذلك إذا زاد شيء أنفقه في أمور الآخرة، بدلاً من أن تتعشى بثلاثمائة ريال، تعشى في بيتك والثلاثمائة هذه قم بإرسالها للإخوان المجاهدين، تطعم بها مائة مجاهد، هذا أفضل أم لا؟ والله أفضل، لكن ما أكرمنا على بطوننا وما أبخلنا في وجوه الخير، أما على البطون ما شاء الله، ترى بعض الناس يذبح ثلاثة أو أربعة كباش ويجمعها وبعد ذلك يرميها، وإذا قيل له: تبرع بعشرة من الريالات، وهذه الثلاثة أو الأربعة الخرفان ليست لله، يقول: الزاد للعيون، أي: للرياء والنفاق والكذب، لا.
العيون لا تأكل، وإنما الزاد للبطون، ضع للضيف بقدر حاجته، لا تزد فوق حاجته، فإنك إن زدت فقد أسرفت، وإن أنقصت فقد بخلت، والإسراف والبخل ممقوت، وطريق الشرع الكرم وهو: إعطاء الضيف ما يكفيه، أما أن تعطيه أكثر مما يكفيه، فهذا إسراف، والله يقول: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:٢٩] .
وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:٦٧] فما يشهده الناس اليوم شيء -والله- يحزن، لا يوجد شخص مستريح، لماذا؟ لأن طموحات الناس وأهدافهم لم تتوقف عند حد، وإنما كل شخص يبحث عن الآخر، يعني: تطاحن وتسابق من أجل التوسع في الدنيا، حتى ولو عن طريق الحرام، تجد الموظف يؤخر المعاملات ويطلب إضافات لماذا؟ يريد أن يقابل زيادة المصاريف، تجده يتحايل على النظام ويريد أي مهمة، يترك المعاملات ويريد انتداباً، ولو كان إضافات في يوم قال: لا أستطيع أن أنتهي منه في يوم، هذه مهمة طويلة وعريضة تحتاج وتحتاج، ويأخذ عليها أسبوعاً، وبعد ذلك يقضيها في يوم ويذهب لينام مع امرأته ستة أيام، ويقدم بياناً بالانتداب ووثيقة المهمة، ويأخذ أجرة سبعة أيام حراماً، المهمة تحتاج إلى يوم إن كان صادقاً، لماذا تأخذ حراماً؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه -أيها الأخوة- أسباب توسع الناس في الدين، وينبغي أن نقابل هذه الأسباب بالرفق، وأن نتوسع في حاجياتنا وفي أمور معيشتنا على قدر إمكانياتنا، فمن وسع الله عليه فليوسع على نفسه وأطفاله في دائرة الحلال، وبغير إسراف ولا تبذير؛ لأن الإسراف والتبذير نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت تتوضأ من البحر، البحر لا ينقص من وضوئك، لكن الإسلام يربي فينا الاقتصاد والتدبير، ولا يربي فينا الإسراف أبداً ولا التبذير؛ لأن الإسراف والتبذير من أخلاق الشياطين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧] أما المؤمن مقتصد، ينفق على قدر ما ينبغي، يلبس ثوباً لا مانع، لكن يلبس ثوباً بثلاثين، بأربعين، بستين، بمائة لا مانع، أما أن يلبس ثوباً بستمائة فلا، يلبس أحذية بعشرين بأربعين لا مانع، لكن لماذا بثلاثمائة؟ لا.
عليك أن تقتصد في حدودٍ معينة، والباقي إذا كان عندك زيادة أنفقها لمن يحتاجها، وإذا لم يكن عندك شيء فتبقى في دائرة حاجتك، هذا هو الأمر الأول الذي يعذب الإنسان ويحبس عن الجنة بسببه وهو الدين.
وبعد ذلك فالدين كما يقول العلماء: الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، تلاحظ المدين يتقلب في الليل وهو يحسب الدين الذي عليه، وإذا خرج بالنهار تراه يتشرد كلما رأى صاحب الدين، أبعد السيارة منه، وهرب، لماذا؟ قال: والله لا أستطيع أن أخرج إلى السوق، لماذا؟ قال: والله كل واحد يطلبني، وإذا أمسكوا به أوصلوه إلى الحقوق المدنية وأتوا به إلى السجن وقالوا: هات الأموال أو اقعد في السجن، قال: من فضلكم أمهلوني أبحث لي عن كفيل مذلة.
وأتوه بجندي يسحبه، ذهب إلى هذا قال: اكفلني.
قال: والله لا أستطيع أن أكفلك أنا موظف والكفالة لا يقبلونها، ذهب إلى ذلك قال: والله لا أستطيع، صحيح إني أعرفك وبيني وبينك صداقة، لكن افرض أنك غداً لم تسدد فإنهم سيجعلونني في مكانك، لا والله أنت تبقى مكانك، لم يقل لك أحد أن توقع نفسك، وتريد أن تضعني مكانك، الكفالة ندامة الآن وفيما بعد، اتركني وإياك على ما كنا عليه، وإذا أنا غداً مكانك وإذا بك تكرهني وأكرهك، أنا الآن أحبك وتحبني لكن من بعيد! لماذا تورط الناس؟ لماذا تظل تحرج الناس؟ من أجل أغراض زوجتك ومطالب أبنائك وتوسعاتك على الديون؟ لا.
لا تتوسع ولا تحاول أن تشتري شيئاً، إذا كنت تريد أن تشتري سيارة فاشتر سيارة بالأموال التي معك، معك ثمانية آلاف خذ موديل (٨١) ، أو (٨٠) أو (٧٩) ، أو أي (موديل) ، ما دام أنها صالحة فخذها، لكن بعض الناس يكون معه (٨٠٠٠) ريال وقال: والله أريد (٨٩) ، وذهب ليشتريها وأتى بشخص يكفله في (٤٠٠٠٠) ريال، وظل يثقل كاهله هذا الدين سنوات طوال، وكلها سواء، (موديل تسعة وثمانين) (وموديل ثمانين) كلها صالحة للسير في الأرض، لكن ضحكوا علينا (بالموديلات) وإلا كلها سواء، بل القديم أحسن من الجديد، وإذا خربت في القديم قطعة بدل قطعة بقطعة، إذا كنت لا تريد أن تبدل السيارة كلها، إذا كانت (الفرامل) لا تمسك بدل لها (قماشاً) بثمانين ريالاً، إذا احترقت (طرنبة) البنزين بدل لها (طرنبة) بمائة ريال، إذا (المكينة) تلفت اعمل لها إصلاحات بألف وخمسمائة ريال، لماذا تغير الجرم والهيكل كله، قال: والله يا أخي (موديل ٨٩) ممتازة جداً، ما هي علامة الجودة؟ قال: (الطيس تولع) ، وقال: وفيها مرايات في الجنب، (واصطبات) أمام السيارة فهذا شيء عظيم، ذهب يطمئن نفسه أنه سيجمع خمسين أو ستين ألفاً من أجل المرايات و (طيس) السيارة خطين، وبعد ذلك من أعلمهم بأن عقولنا خفيفة وطائشة، ليست ثابتة وقوية، سيضحكون علينا حتى بالألوان بالخطوط، أي: (موديل ٨٨) وضعوا خطين أصفر وأحمر، جاءت (٨٩) وضعوا خطوط جديدة، وهي هي نفس السيارة، فيذهب يبيع سيارته التي فيها خط أحمر وأصفر ويأخذ سيارة بخيط أخس لكن (٨٩) ، إذا عندك استمارة لا تقرأها (٨٨) ، اقرأها (٩٠) ، إذا عندك استمارة سيارة وموديلها (٨٥) اقرأها (٩٠) والرقم واحد فقط لا تغير في الاستمارة من أجل لا تصير مخالفة مرورية، لكن إذا أتيت تقرأها اجعلها (١٩٩٥) ، هذا السبب الأول.