[حكم من ذهب إلى الجهاد بدون إذن والديه]
السؤال
ما رأيكم فيمن يذهب إلى أفغانستان للجهاد بدون إذن من والده أو والديه، ثم يتصل بهم من هناك ويخبرهم أنه في الجهاد، وهم لا يرضون ولا يأذنون له، وهو متزوج، وإذا قتل هل هو شهيد؟
الجواب
اختلف أهل العلم في حكم الجهاد الآن القائم في أفغانستان: هل هو فرض عين، أم فرض كفاية؟ فذهب مجموعة من العلماء إلى أنه فرض عين؛ لأنه اعتدي على أرض مسلمة، واستبيحت أعراض ودماء المسلمين في أرض مسلمة، فوجب على كل مسلم أن يهب لنصرتهم، وهذه من الأسباب الأربعة التي توجب الجهاد على كل إنسان.
وقال بعض أهل العلم: إنه ليس فرض عين، لكنه فرض كفاية على عموم المسلمين، وفرض عين على المجاورين والموالين للجهاد، من أهل الجهاد من أهل أفغانستان ومن الديار المقاربة، واستدلوا على أنه يلزم من إلزام الناس بفرضية الجهاد العيني عليهم: إخلاء جميع مواقعهم في بقاع الأرض، وبهذا يضيع الإسلام؛ لأن الإسلام له ثغور، فإذا هب الناس كلهم وتركوا هذه المواقع ترتب على ذهابهم وترك مواقعهم ضرر للدين.
فالقضية قضية خلافية، فنقول لمن ذهب: الأولى له أن يستأذن والديه، فإن أذنا له فهو أفضل له، وإن ذهب بدون إذن فنرجو الله أن يتقبل جهاده، وأن يثيبه، وألا يجعل عليه إثماً بسبب عدم إذن والديه.
أما إذا مات في سبيل الله، فإنه إن شاء الله شهيد تزوج أو لم يتزوج، لا علاقة للشهادة بالنسبة للزواج، إن تزوج ومات في سبيل الله فهو شهيد، بحسب نيته؛ لأنه ليس كل واحد يموت يكون شهيداً، القضية لا زال فيها اختبارات، أول ما يقضى يوم القيامة في ثلاثة يوردون إلى النار: شهيد وعالم وجواد، أعمال ليس هناك أفضل منها، الشهادة أرفع الدرجات، والعلم وتعليمه للناس أرفع شيء، والإنفاق في سبيل الله من أرفع الأشياء، ولكن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: شهيد وعالم وجواد، فيؤتى بهم، ويعرفون بنعم الله عليهم، فيقال للأول: ماذا صنعت بنعم الله؟ قال: قاتلت فيك حتى قتلت، قال الله: كذبت، إنما صنعت ليقال فلان جريء.
أي: شجاع، الغرض أن يمدحوك، يقولون: والله فلان بطل، وقد قيل، إذن لقيت هدفك، هدفك أن يقال وقد قيل، لكن لم تكن تقصد بهذا العمل وجه الله، اذهبوا به فيسحب على وجهه إلى النار.
ثم يؤتى بالعالم، فيعرف بنعم الله عليه، ونعم الله عليه كثيرة جداً منها: أن الله علمه كيف يعلم الناس؟ من الذي علمك حتى تقصد بعملك غير وجه الله؟ {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:٥] .
فيعلم بها فيعرفها، فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: علمت دينك وبلغته إلى الناس، قال: إنما فعلت ليقال فلان عالم، وقد قيل.
قد أثنى عليك الناس، ومدحوك، وتحدثوا بك، وهذا ما كنت تقصده أنت ولقيته، لكن لم تعمل هذا لوجه الله، اذهبوا به فيذهب به إلى النار.
ثم يؤتى بالثالث فيقال له بعد أن يعرف بنعم الله عليه فيقال له: ماذا صنعت في الدنيا والمال؟ قال: ما من سبيل من سبل الخير إلا أنفقت فيه، فيقول الله له: كذبت.
إنما فعلت ليقال فلان جواد -أي: الكريم- وقد قيل اذهبوا به إلى النار.
فليس كل من مات في سبيل الله يعتبر شهيداً على الإطلاق، وإنما بعد معرفة نيته وهذا الشيء لله عز وجل، وكذلك ليس كل من علم الناس، واهتدى الناس على يديه يعتبر سعيداً، فإنه قد يهتدي آلاف على يد واحد وهو من أهل النار، أول رجل في النار يقال يوم القيامة -نعوذ بالله وإياكم- فهذا الحديث يقطع القلوب، (أنه يدور في النار كما يدور الحمار على الرحى، يجر اقتابه -أي: أمعاءه- فيرونه أهل الجنة، وهو في النار ماذا أتى بك إلى هنا؟ لم ندخل الجنة إلا بسببك، ما اهتدينا إلا بعلمك وتعليمك ووعظك وإرشادك، فيقال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وأقع فيه) ، كان يقول: الأغاني حرام وهو في الليل إذا جاء لينام قام ليغني، كان يقول: النظر حرام، وإذا رأى النساء نظر إليهن، كان يقول: الربا حرام، وأمواله في الربا، كان يقول: العقوق حرام وهو يعق، كان يقول: اعدلوا مع زوجاتكم وهو غير عادل، كان يقول: صلوا وهو لا يصلي، كان يقول: إن أعمال الناس ينتفعون بها، لكن هو لم ينتفع بها -والعياذ بالله- ولهذا عاب الله عز وجل على قوم قالوا هذا فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤] أين عقولكم إن كانت لكم عقول؟ أتأمر الناس بالعمل للجنة وأنت تترك نفسك؟! لا حول ولا قوة إلا بالله!