للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حرب الله على أهل الربا]

ثم قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٢٧٨] وهنا يقول العلماء: إن في نداء الناس بالإيمان وهو يدعوهم إلى ترك الربا فيه استثارة وتنبيه، فيه أنكم مؤمنون، كيف تؤمنون وتعملون الربا؟! هل يتصور؟! يا أيها الذين آمنوا! كيف تقعون في الربا وقد آمنتم بالله، ورضيتم به رباً، وبهذا الإسلام ديناً وبهذا الرسول نبياً، ثم تقعون في الربا؟! فيه إلهاب لهم واستثارة وإشعال لمشاعرهم، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:٢٧٨] خافوا من الله، راقبوا الله، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية من خوفه: {وَذَرُوا} أي: اتركوا {مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ثم قال بعدها: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كنتم صادقين، إذ ليس مؤمناً من يرابي، وما هو بصادق أبداً، لو كان مؤمناً صادقاً لترك الربا {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨] .

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:٢٧٩] شخص رفض، قال الله عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] إذا رفضتم خلاص استمروا في الربا، لكن قد أذن الله بحربكم: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] ويقول العلماء: الحرب هي على شاكلتين: حرب في الدنيا، وفي الآخرة، فأما الحرب التي في الدنيا فالخسارة العاجلة، والمحق لهذا المال، والقلق في القلب، والاضطراب في النفس، والحيرة في الفؤاد، وشقاء النفس، وعذاب داخلي يشعر به المرابي لا يمكن أن يجده أي إنسان على وجه الأرض؛ لأن الإنفاق والإعطاء نفع للناس يترتب عليه رحمة في القلوب، مردود عاجل، والقسوة على الناس ومزاولة الشدة عليهم، يترتب عليها قسوة في القلب وضيق في النفس ولعنة في الضمير -والعياذ بالله- هذا في الدنيا وجبة عاجلة.

قال: وأما الآخرة فإن الله يختم له بسوء الخاتمة، إذا لا يلهم الشهادة؛ لأن من اعتاد الربا وتورط فيه فإنه يختم له بسوء الخاتمة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من حالات المرابين في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن كثيراً من المرابين حينما حضرتهم الوفاة كان يقال لهم: قولوا لا إله إلا الله، فكانوا يقولون: العشرة بعشرين، قل: لا إله إلا الله قال: العشرة بعشرين، ومات على العشرة بعشرين والعياذ بالله.

لكن هذا في الدنيا يختم له بسوء الخاتمة، وفي القبر يسلط عليه العذاب، ما هو العذاب؟ ورد في الأحاديث الصحيحة من حديث سمرة بن جندب في البخاري: (ثم انطلقنا إلى رجل يسبح في نهر من دم، وآخر واقف على طرف النهر، وعنده كوم من حجارة، وذاك يسبح إلى طرف النهر، فإذا قرب منه فغر فاه وضربه بحجر بفمه ثم نزل في بطنه ورجع إلى طرف النهر، ثم يرجع وكلما جاء ألقمه حجر، فقلت: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه في القبر -أعوذ بالله وإياكم من هذا الحال- أنت تتقزز إذا وقع على ثوبك نقطة دم، أو إذا وقعت في يدك دجاجة مذبوحة أو ذبحت لك ذبيحة تغسل يديك بصابون بل بالديتول فكيف بمن يسبح في الدم؟! وبعد ذلك من يوم أن يموت إلى أن يبعثه الله يوم القيامة وهو في الدم، لماذا الورطة هذه؟ من أجل ماذا؟ من أجل تبني عمارة أو تشتري سيارة جديدة أو تتزوج بزوجة، بعض الناس يقول: أنا مضطر للربا، لا يا أخي! والله أنت لست مضطراً للربا، فاصبر على الفقر وعلى الجوع وعلى أن تأكل الطين تعجنه وتأكله ولا تصبر على النار لحظة واحدة، فلا يا أخي! صبرك على نفسك في الدنيا ولا صبرك عليها في النار في الآخرة، لا توقع نفسك في الربا بأي حال من الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>