للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لرعيته حرم الله عليه الجنة".

يا أمير المؤمنين، كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم، أحمرهم، وأسودهم ومسلمهم، وكافرهم، وكل له عليك نصيب من العدل، فكيف بك إذا انبعث منهم فئام وراء فئام (١)، ليس منهم أحد إلا هو يشكو بلية أدخلتها عليه، أو ظلامة سقتها إليه.

يا أمير المؤمنين، حدثنى مكحول عن زياد بن حارثة عن حبيب بن سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى القصاص نفسه في خدش خدشه أعرابياً لم يتعمده، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، إن الله تعالى لم يبعثك جباراً ولا متكبراً، فدعا ? الأعرابي، فقال: "اقتص مني"، فقال الأعرابي: قد أحللتك، بأبي أنت وأمى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، ولو أتيت على نفسى. فدعا له بخير. يا أمير المؤمنين، رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك.

يا أمير المؤمنين، إن الملك لو بقى لمن قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك.

يا أمير المؤمنين، جاء في تأويل هذه الآية عن جدك {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: ٤٩]، قال الصغيرة: التبسم، والكبيرة الضحك، فكيف بما عملته الأيدى، وحصدته الألسن.

يا أمير المؤمنين، بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة، لخشيت أن أسأل عنها، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟

يا أمير المؤمنين، جاء في تأويل هذه الآية عن جدك: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: ٢٦] قال: إذا قعد الخصمان بين يديك، وكان لك في أحدهما هوى، فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له فيفلج على صاحبه، فأمحوك من نبوتى، ثم لا تكون خليفتى، يا داود: إنما جعلت رسلى إلي عبادى رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية، ورفقهم بالسياسة،


(١) الفئام: الجماعة الكثيرة من الناس، وتقول: بنو فلان فئام إلا أنهم لئام.

<<  <   >  >>