للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول مالا يتحققه، ولا سبيل للاطلاع عليه، مثل أن يقول: إنه ورع وزاهد، وقد يفرط في المدح فينتهي إلى الكذب، وقد يمدح من ينبغي لأن يذم.

وقد روى في حديث: "إن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق" (١).

وقال الحسن: من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله.

وأما الممدوح، فإنه يحدث فيه كبراً أو إعجاباً، وهما مهلكان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع رجلاً يمدح رجلاً: "ويلك، قطعت عنق صاحبك" .. الحديث وهو مشهور.

وقد رُوِّينا عن الحسن قال كان عمر رضى الله عنه قاعداً ومعه الدرة والناس حوله، إذ أقبل الجارود، فقال رجل: هذا سيد ربيعة، فسمعها عمر رضى الله عنه ومن حوله، وسمعها الجارود، فلما دنا منه خفقه (٢) بالدرة، فقال: مالي ولك يا أمير المؤمنين؟ قال: مالي ولك، أما سمعتها؟ قال: سمعتها، فمه؟ قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شئ فأحببت أن أطأطئ (٣) منك، ولأن الإنسان إذا أثنى عليه بالخير رضى عن نفسه، وظن أنه قد بلغ المقصود، فيفتر عن العمل، ولهذا قال: "قطعت عنق صاحبك ... ".

فأما إذا سلم المدح من هذه الآفات لم يكن به بأس، فقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وغيرهما من الصحابة رضى الله عنهم.

وعلى الممدوح أن يكون شديد الاحتراز من آفة الكبر والعجب والفتور عن العمل، ولا ينجو من هذه الآفات إلا أن يعرف نفسه، ويتفكر في أن المادح لو عرف منه ما يعرف من نفسه ما مدحه.

وقد روى أن رجلاً من الصالحين أثنى عليه، فقال: اللهم إن هؤلاء لا يعرفوني وأنت تعرفني.

الآفة الثانية عشرة: الخطأ في فحوى الكلام فيما يرتبط في أمور الدين،


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" والبيهقي في "الشعب" من حديث أنس، وفي سنده أبو خلف الأعمى كذبه يحيى ابن معين، وقال أبو حاتم: منكر الحديث.
(٢) خفقه يخفقه، بضم الفاء وكسرها: ضربه.
(٣) أي أخفض منك وأطأ منك.

<<  <   >  >>